رئيس التحرير
عصام كامل

دور التشريعات البرلمانية في تحفيز الاقتصاد المصري


أثناء حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية ١٩٩٢ دعا "روس بيرو" الشعب الأمريكي إلى إنتاج رقائق الكمبيوتر بدلا من رقائق البطاطس ورغم مثالية الفكرة نحو اقتصاد الدولة فقد أغفل أن إنتاج شرائح البطاطس أسهل ويتطلب جهدًا أقل، ومن جانب آخر فإنها جزء من نمط الحياة السهلة التي اعتادها الأمريكيون فكان "روس" يدعو لزيادة الإنتاج فهل كان يعي أن الأمريكيين يريدون أن يعملوا أقل ويكسبوا أكثر.


بالطبع الأمريكيون لا يرغبون في أن تتحول أمريكا إلى معسكرات عمل ويطمحون أن ينتخبوا رئيسًا يوفر لهم الأمن والرفاهية الأمريكية بأقل مجهود شخصي أما دور المشرع فهو إيجاد الحافز والضوابط وهو دور البرلمان ثم الحكومة.

هذه قواعد علم الاقتصاد وبالبلدي العصا والجزرة، ويجب أن نواجه الحقيقة أن الشعوب لا تريد تغيير نمط حياتها أو زيادة إنتاجها وإنما رفاهيتها ورغم هذا فالشعوب يمكن تحفيزها من أجل تغيير سلوكها ووضع عقوبات لمن يرفض الحد الأدنى من العمل والإنتاج... ببساطة سياسة العصا والجزرة.

التغيير في السلوك مرعب لم لا يستطيع أو يريد ومتعب لمن يريد ولكنه قد يكون ضرورة حتمية وعلى النظام الحاكم تحفيز المجتمع نحوه خاصة في ظل ما تمر به مصر اليوم منذ عقود من استهلاك موارد بلا إنتاج مكافئ مما يسبب تدهورا مستمرا لقيمة العملة المحلية.

أما نحن في مصر نعاني انهيارًا مضاعفًا لقيمة العمل ولكن لماذا ؟

لا شك أن غياب القدوة وانتشار ظاهرة الفهلوي الناجح هو أحد الأسباب، كما أن غياب الحافز لشق طريق النجاح من خلال العمل والكد أيضًا غياب العقوبة الرادعة للفساد وخاصة الممنهج.

إن دور البرلمان الأول سن تشريعات تحقق المعادلة، حيث إنه لا يوجد ما يدفع موظف الحكومة لقبول قانون الخدمة المدنية (ربط الأجر بالإنتاج) حتى لو اقتنع داخليًا لأنه ليس هناك حافز قوي من أجل تغيير ثقافة العمل وجعله صاحب مصلحة في قاطرة التغيير.

كما يجب أن يدرك البرلمان كيفية تشكيل قوى التغيير مجتمعيًا قبل طرح قوانين بحد ذاتها؟ أليست القوانين هي القواعد المنظمة لسلوك المجتمع الحقيقي ولا تفترض سلوكًا افتراضيًا!؟ وببساطة رغم أن عقوبة الإتجار في المخدرات "الإعدام" فإنها لم تمنع تداوله لوجود طلب حقيقي.

قد يتم تعديل السلوك باستخدام الوعي المجتمعي أو بالتنمية البشرية أو بالخطاب الديني الهادف، ولكن الأهم قياس مدى التأثير والأثر، ومن هنا يتحقق التغيير المنشود.

إذا رغبنا في التغيير من أجل بناء الاقتصاد فليكن دائمًا بالشباب لأنه الطاقة والإبداع والمستفيد على المدى الطويل من الإصلاح، كما يجب أن نعمل على القيادات الطبيعية المؤثرة، وفي حيز الاقتصاد يجب ألا نهمل رجال الأعمال المحليين وثقافاتهم وقناعاتهم التي تحكمها نفس القواعد، لذا يلزم التحفيز وتعديل السلوك، وهناك قاعدة اقتصادية أن جذب الاستثمار الأجنبي يبدأ من المستثمر الداخلي؛ لأنه ترمومتر الاقتصاد بالنسبة للخارج ولا يمكن التحايل عليه وإنما دمجه وجعله صاحب مصلحة وتحفيزه من أجل تغيير نوعي في المنظومة الاقتصادية التي أثبتت عقمها عن مواجهة تحديات العصر مع سياسات اقتصادية أصابها الوهن ويجب تعديلها من أجل بناء اقتصاد حقيقي يتميز بالتنمية لا نمو شكلي ومع التحفيز هناك العقوبات والقوانين الحازمة لتحقق إطارا عاما يعاقب من يتجاوزه أيًا كان.

أخيرًا التحفيز الحقيقي يجب أن يكون أقوى من المخاطر المدروسة في السوق المحلية ( تقاس من رد فعل المستثمر أولا ) وفاعلية التحفيز تقاس بنتائجه وليست مجرد مانشيتات ويجب ألا ننسى أن تجربة القرية الذكية قامت على قدر من الإعفاء الضريبي أيضا أهم صناعات استثمارية تم جذبها إلى مصر هي في واقعها صناعات ملوثة للبيئة ( الحديد والأسمنت والسيراميك) لأنها صناعات مرفوضة في أوروبا ونحن نتساهل معها قانونا -ويجب أن نواجه هذه الحقائق بشجاعة- ولا أدعو لاستمرار جذب هذه الاستثمارات وإنما تحفيز الأنواع الأخرى نحو السوق المحلية..

التحفيز لا يعني التساهل المستمر في حق الدولة أو تدليل المستثمر على حساب محدودي الدخل وإنما جذب المستثمر بالتحفيز لدمجه تدريجيًا بالسوق المحلية.. وبالطبع تذليل العقبات لا يعني بالضرورة الفساد وإنما مرونة القوانين وسهولة التراخيص كما تنهجها دول كالصين والإمارات، ويجب أن يقود البرلمان الرأي العام ويطرح الفارق بين التحفيز والفساد للقضاء على ما يسمى "الأيدي المرتعشة" في منظومة اتخاذ القرار التي هي أخطر من مؤامرات أعداء مصر مجتمعين.

أما العصا فهي القانون لا الترهيب ويطبق على الجميع بلا محاباة وأزمة الحكومة والبرلمان هي عدم إيجاد صيغة متكاملة لسياسة العصا والجزرة لتحقق جذب الاستثمار عمليًا وهذه الصيغة تحتاج نوعًا من الدراسة والإبداع.

إن للتحفيز حدودًا.. يجب ألا تتخطى حدود الأمن القومي، وفي نفس الوقت فإن الاستقرار الاقتصادي هو أهم دعائم الأمن القومي وإحدى وسائل القوة الناعمة الوطنية.. لذا فالمعادلة حساسة جدًا ولكن لا يجيدها إلا الرئيس ويتخبط البرلمان يمينًا ويسارًا في قضايا جانبية.. ولا بديل عن العصا والجزرة.

إن تحفيز الاستثمار وتقويمه لصالح مستقبل الوطن والمواطن ضرورة ملحة في وقت نواجه حملة إعلامية داخلية وخارجية تترجم إلى حرب اقتصادية هدفها كسر إرادة الشعب المصري التي تجلت في ثورة ٣٠ يونيو واختارت السيسي رئيسًا للوطن الجريح، لذا يجب أن يدرك البرلمان المصري تحدياته.
الجريدة الرسمية