رئيس التحرير
عصام كامل

رسالة مصر للدولة الغاصبة

حري بنا ونحن نتحدث عن التطورات الجارية في الحرب الحالية على غزة، لابد أن نشير إلى أن علاقة الدولة المصرية بشقيها الرسمي والشعبي بدولة الكيان الغاصب نموذج مصري خالص غير مكرر، بل ومتفرد.


فالدولة المصرية الرسمية تتعامل مع دولة الكيان الغاصب منذ توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 ومن قبلها عند توقيع اتفاقيتي كامب ديفيد عام 1978، وفق الأسس التي تقتضيها العلاقات الدبلوماسية، التي تقتصر على لقاءات بروتوكولية بين مسئولين من كلتا الدولتين هنا أو هناك، أو تبادل اتصالات في بعض الأمور محل اهتمام الدولتين.


وفى الوقت ذاته، وضمن نموذج التعامل المصري مع تلك الدولة، أبت مصر الشعبية، أن تحقق أي قدر من التقارب أو التطبيع مع دولة الكيان الغاصب بأي قدر حتى ولو كان ضئيلا، ولم يكن ذلك الرفض الشعبي للتطبيع أمرا خفيا أو مجهولا، بل كان ولايزال وسيظل معروفا ومعلوما للكافة وبخاصة لدولة الكيان الغاصب بكافة مستوياتها وكياناتها.. 

 

وتجلت الصورة الأبرز في هذا الرفض ضمن الفاعليات التي شهدتها مصر في أحداث الخامس والعشرين من يناير عام ألفين وأحد عشر، فقد هاجمت مجموعات من الثوار والناشطين مقر السفارة الإسرائيلية الذى كان يطل على نيل الجيزة متخذا من أحد العقارات مقرا لها، يومها لم يهدأ المتظاهرون إلا بعد أن تسلق العديد منهم العقار الذى يوجد به مقر السفارة الإسرائيلية من الخارج إلى أن وصلوا للدور الأخير حيث مقر السفارة، وألقوا ما به من مستندات وأوراق إلى الشارع..

 

 ورغم أن هذا الفعل يشكل خروجا على أسس التعامل بين الدول، ولكن حالة السيولة التي كانت سائدة، ورغم التباينات الحادة في أفكار وتوجهات المشاركين في الأحداث الاحتجاجية ضد نظام الحكم الذى كان قائما في تلك الفترة، إلا أن الغالبية العظمي من كل تلك التيارات المشاركة في الحراك الثوري، باركت ذلك الاحتجاج الشديد ضد دولة الكيان الغاصب وأساليبها التوسعية والإجرامية..

 

وظل السفير الإسرائيلي في القاهرة بعد هذه الواقعة بسنوات يمارس مهامه من أماكن مؤقتة، وكان يصل القاهرة صباح كل يوم أحد ويغادرها إلى تل أبيب قبيل نهاية الأسبوع بشكل استمر أشهر طويلة، وعانت دولة الكيان الغاصب إلى أن عثرت على مقر للسفارة في مصر.


الشعب المصري ومنذ بداية التقارب الرسمي مع دولة الكيان الغاصب ربط الرفض التام للتطبيع معها ومع شعبها، بضرورة قيام الدولة الغاصبة على رد الحقوق العربية المسلوبة وخاصة الحقوق المستحقة للشعب الفلسطيني.

الرسائل المصرية


وعلى مدى ما يزيد على الأربعين عاما، وعلى مدى كافة حلقات الصراع المختلفة بين الدولة الغاصبة والفلسطينيين، ظل النموذج المصري بشقيه الرسمي والشعبي في التعامل مع دولة الكيان الغاصب، نموذجا قائما ومستمرا، تتوافق عليه الدولة المصرية بشقيها الرسمي والشعبي.


هذه المقدمة المطولة كانت لازمة، ونحن نرقب ونحلل التطورات المتلاحقة للعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ أحداث السابع من أكتوبر الماضي، ودون الخوض في تفاصيل ما جري فغالبية وقائعه معروفة ومحا متابعة من الجميع.. 

 

وأتوقف قليلا أمام التطور الذى نجم عن إصرار جيش دولة الكيان الغاصب على اقتحام مدينة رفح الفلسطينية، متجاوزا كافة النصائح والتحذيرات التي وجهت من العديد من دول العالم، وفى مقدمتها مصر، التي تعتبر أن الشريط الحدودي الفاصل بين رفح المصرية ونظيرتها الفلسطينية أهم محددات الأمن القومي المصري، وأي تواجد للقوات الإسرائيلية في تلك المنطقة خط أحمر.. 

 

إضافة إلى أن التحذيرات المصرية والتحذيرات الأخرى لجيش الاحتلال الإسرائيلي من إقتحام مدينة رفح تنذر بكارثة إنسانية، خاصة وأن ما يقرب من مليون ونصف المليون فلسطيني يتجمعون في تلك المنطقة بعدما صالت وجالت قوات جيش الاحتلال بجميع أنحاء قطاع غزة على مدي الأشهر الماضية.. 

 

وارتكبت فظائع لا تعد ولا تحصي بحق الفلسطينيين، ووجهت ما يقرب من مليون ونصف مليون فلسطيني للتوجه إلى جنوب القطاع بمدينة رفح، وها هو جيش الاحتلال يقدم على اقتحام رفح ما واجهته مصر بعدة إجراءات متتالية أهمها تحميل إسرائيل مسئولية عدم إدخال المساعدات الي قطاع غزة بعد سيطرتها على معبري كرم أبو سالم ورفح البري، وحذرت مصر من أنها وحيال التصعيد الإسرائيلي غير المبرر، قد تعيد النظر في اتفاقيتي كامب ديفيد، ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.


الأهم كذلك هو إعلان مصر أنها قررت الانضمام إلى دولة جنوب أفريقيا في الدعوى التي أقامتها ضد دولة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية جراء الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال في قطاع غزة.

 


المقصد من حشد كل تلك الوقائع وتحليل التطورات هو التنويه إلى الرسالة المصرية لدولة الكيان الغاصب، والتي أظن أنها لم تصل أو لم تفهم جيدا، أو تم فهمها، ولكن الصلف والغرور المؤيد بالدعم الأمريكي غير المحدود يمنعانها من إعلان فهم الرسالة المصرية.
وللحديث بقية

الجريدة الرسمية