رئيس التحرير
عصام كامل

الخضوع المهين للابتزاز الغوغائى!


كنت أتمنى ألا يخضع "حمدين صباحى" خضوعًا مهينًا للابتزاز الغوغائى لمجموعات شاردة من النشطاء السياسيين الذين تمرسوا على المزايدات السياسية ورفع الشعارات الزاعقة ومحاولة تحريك الشارع بغير رؤية واضحة ولا هدف محدد.


وأشير إلى التصريحات المؤسفة التي نطق بها فعلًا أمام مريديه من الناشطين السياسيين حينما تهور وقال سأحاكم "السيسي" ليس باعتباره "مجرمًا" ولكن من باب العدالة الانتقالية وأنه –لو فاز- سيعمل على محاكمة أعضاء المجلس العسكري!
هذه عبارات غير موفقة، وتفتقر إلى اللياقة التي ينبغى أن يتحلى بها مرشح رئاسى.

ولو نحينا جانبًا هذه القصة المؤسفة، وحللنا الشعارات التي هتف بها أنصار "حمدين صباحى" من الناشطين السياسيين وأبرزها "يسقط حكم العسكر"، لأدركنا أنهم في الواقع أوقعوا الأستاذ "حمدين صباحى" وهو من أبرز الناصريين في مصر في مطب خطير!

وذلك لأن المثل الأعلى "لحمدين" هو الرئيس "جمال عبدالناصر" وهو ينتمى إلى العسكر! وكأن الانتماء إلى العسكر نقيصة في حد ذاتها، مع أن هؤلاء "العسكر" ونعنى ضباط وجنود القوات المسلحة هم درع الوطن وسيفه، وهم الذين شاركوا في كل حروب مصر، وهم الذين سقط منهم آلاف الشهداء، وبرز منهم مئات الأبطال الذين عبروا تعبيرًا صادقًا عن المعدن الأصيل للمواطن المصرى واستعداده للتضحية بحياته في سبيل الوطن.

وقد لفت نظرى أن الأستاذ "حمدين صباحى" يقدم نفسه باعتباره مرشح الثورة أو أنه سينطق باسم الثورة، وهنا لابد من إثارة سؤال مهم وهو من الذي يمثلهم "عبدالفتاح السيسي" والذي احتشدت الملايين لكى تطالبه بالترشح لرئاسة الجمهورية؟ وألا يمثل الثورة في أجل معانيها أيضًا؟

وبغض النظر عمن هو الممثل "الحصرى" للثورة فإن السؤال الجوهرى هو ما هي البرامج التي يقدمها كل من "صباحى" و"السيسي"؟ أليس البرنامج السياسي الذي يطرحه أي مرشح رئاسى في أي جمهورية معاصرة هو المحك الرئيسى في الحكم على سلامة توجهاته السياسية وعلى التقائها أو افتراقها عن مطالب الغالبية العظمى من أفراد الشعب، الذين سيصوتون تصويتًا حرًا لاختيار هذا أو ذاك؟

وإذا كان "صباحى" قد طرح برنامجه السياسي وفيه أفكار ممتازة ولا شك وتوجهات صائبة، إلا أن التوفيق قد خانه مرارًا في تصريحاته والتي ركزت على شخصه حين يقول "أنا سأفعل كذا وكذا" وكأن رئيس الجمهورية المنتخب سيعيد سيرة الرؤساء السابقين الذين جمعوا كل السلطات في أيديهم وأصبحوا هم أصحاب السلطة المطلقة!

وفات "صباحى" أن الدستور الذي استفتى عليه الشعب ووافق عليه بغالبية غير مسبوقة لا يسمح إطلاقًا لرئيس الجمهورية أن ينفرد باتخاذ القرار؛ وذلك لأن السلطة ستتوزع بين الرئيس ورئيس الوزراء والبرلمان.

ومن ناحية أخرى إذا كان البرنامج السياسي هو الذي سيتيح للشعب أن يفاضل بين المرشحين فإن الأقوال المرسلة التي ذهبت إلى أن "السيسي" ليس في حاجة إلى تقديم برنامج مغرضة تمامًا! فالشعب يريد رئيسًا له برنامج واضح لكى يعرف هل سيحقق الأهداف العليا لثورة 25 يناير والموجة الثورية في 30 يونيو أو لا؟

نريد مزيدًا من الموضوعية في خطاب المرشحين للرئاسة واستبعادًا للنفاق الرخيص الذي احترفت ممارسته أصوات انتهازية شتى تمرست بنفاق الرؤساء وأعمتهم عن الإدراك الموضوعى لاتجاهات الشعب ومطالبه المشروعة!

ونريد أن نؤكد مسألة بالغة الأهمية وهى أن الديمقراطية تتضمن آليات وقيما.. وإذا كانت الآليات تتركز أساسًا في تنظيم الانتخابات النزيهة بصورة دورية، فإن قيم الديمقراطية ليست أقل أهمية من الآليات بل إنها في الواقع أهم منها بكثير.

وهذه القيم أساسًا تتمثل في التسليم الكامل بمبدأ تداول السلطة، والحوار بين الأغلبية والمعارضة، وعدم إقصاء أي تيار سياسي ما دام لا يتبنى اتجاهات متطرفة مضادة للديمقراطية، أو يلجأ إلى ممارسة العنف والإرهاب، كما تفعل –بعد 30 يونيو- جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية.

ومن قيم الديمقراطية أيضًا أن المعارضة أيًا كان اتجاهها تمثل جزءًا أساسيًا من أي ممارسة ديمقراطية حقيقية.. ومن هنا يمكن القول إن الباب مفتوح -بعد نهاية الانتخابات الرئاسية- في أن يمارس المرشح الذي لم يفز –إن أراد- دور المعارضة الديمقراطية النزيهة.. هذه هي قواعد المنهج الديمقراطى في النظم المعاصرة!
الجريدة الرسمية