رئيس التحرير
عصام كامل

بعيدًا عن الانحِطاط


من حين لآخر.. يعكف الباحثون والمهتمون بالفلكلور، على جمع وتوثيق الأدب الشعبى والأقوال المأثورة في قاموس موحد للفُلكلور المصرى.. والحقيقة أن القاموس ابتداءً مزدحم بالتعبيرات والمصطلحات الغريبة التي لا تحتاج إلى رصد أو حصر بقدر ما تحتاج إلى شرح وبحث في أسباب ظهور هذا النوع من الكلام، وذلك بحسب اجتهاد صديقى العلَّامة الباحث في "المباحث" اللواء الحاج بوب أبو فرج.



لن نتعرض لما استجد من طوفان المصطلحات المخجلة والبذيئة التي لم تشهدها ــ من وجهة نظرى ــ الفترات الأكثر انحطاطًا في تاريخنا!.. وسنكتفى بتعبيرات من زمن ليس ببعيد.. أحسبها محترمة وذكية وطريفة في نفس الوقت.

فمثلا تعبير "فوت علينا بكرة" تعبير حكومى مصلحى منذ أيام الفراعنة، ومازال مستعملًا حتى الآن.. وتعبير "يابخت من كان النقيب خاله" فالمقصود به أعضاء النقابات حتى لو كان خاله نقيب باعة الأنابيب السرِّيحة ! وعندما نتأمل تعبير "خف تعوم" نجد أنه من تعبيرات الزحلقة ويوجه إلى الضيف كثير الكلام أو الأكل !

وهناك تعبير "لقمة هَنِيَّة تكَفِّى مِيَّة" وهو تعبير دمياطى صِرْف، ويقال للضيوف الذين يطبُّون على أهل البيت دون سابق إنذار في أوقات تناول الطعام.. فيوضع على مائدة الطعام رغيف عيش وطبق باذنجان واحد وفحل بصل، ويصر صاحب المنزل على أن يجتمع الكل حول الموجود، مرددًا هذا التعبير التراجيدى المأساوى "لقمة هنية تكفى مية"..

أما في الصعيد فيقولون "بصلة المحب خروف" ولو أن البصل لا "يمأمأ" ولا تخرج منه رائحة الضأن، إلا أن المقولة تجبر الضيف على تناول البصل خجلًا لتخرج منه هو رائحة البصل، وتخرج منه أصوات أصعب كثيرًا من صوت الخروف!

وتصل التعبيرات إلى عالم الأغنية، فيقول عبد الحليم حافظ "الهوا هوايا" وهى دعوة للأنانية ومحاولة منه لاحتكار الهواء كله لحسابه، وذلك بالطبع قبل ظهور السحابة السوداء، ومعدلات التلوث الكارثية.. أما عبدالوهاب فيقول "من غير ليه" مع أنه كان ممكن يقول ليه وماحدش هايزعل منه!

ومع دخول أصحاب الحرف المختلفة إلى عالم الغناء سمعنا "كوز المحبة اتخرم اديله بنطة لحام" والمؤلف هنا بالطبع سمكرى، إنما غنوة "كداب يا خيشة" فأعتقد أن مؤلفها هو كاتم أسرار الحكومة!.. وهناك غنوة "حبة فوق وحبة تحت" وهى غنوة يحبها البوابون وعاملو الأسانسيرات.. كما غنى الشيخ إمام عيسى -رحمه الله- غنوة بعنوان "شَيِّلنى واشَيِّلَك" وهى خاصة بالشيالين في محطة مصر.

ويقول عدوية "سيب وأنا أسيب" وهو تعبير يستعمل في الخناقات سواء كانت في الشارع أو في البيت، ويطلقه غالبا الزوج الغلبان عندما يمسك هو بطرف السرير وتمسك زوجته قطعة من لحمه بأسنانها.. ألا ترون معى أننا كنا "لبط".. ولكن باحترام؟!

الجريدة الرسمية