رئيس التحرير
عصام كامل

الداعية والممثل


ــ في أبريل من كل عام.. يحتفى البريطانيون بذكرى الممثل الإنجليزى الفَذ ويليام ماكريدى ( William Macready) الذي وصف بأنه أفضل ممثل تراجيدى في عصره.. ولد ماكريدى في الثالث من شهر مارس عام 1793م وتوفى فى27 أبريل عام 1873م عن عمر يناهز الثمانين عامًا.


ماكريدى كان يمثل ويخرج مسرحياته بنفسه.. وقد وُصِفَ زحام الجمهور على شباك تذاكر مسرحياته في أيامه، كزحام المصريين وتدافعهم أمام مخابز الخبز المدعم.. هو إذن فنان من طراز نادر، وشخصية مثيرة ومؤثرة في الوجدان الإنسانى آنذاك.
وهنا مناط الكتابة عن ذكراه، والتي أراها فرصة مواتية للرد الهادئ على المرابطين في خندق العداء للفن عاطل في باطل، فوضعوا الفن الراقى الهادف على قدم المساواة مع الفن الرخيص الرقيع.

أيضًا اغتنمها فرصة للرد على دعاة النفور ــ مع احترامى غير المحدود لدعاة البشاشة والاستنارة ــ مسترشدًا بموقف يستحق بروازًا خاصًا، وَرَدَ في معرض كلام للأديب المصرى عبد الرازق الشاعر.. يقول إن شعبية وليم المستحقة، أثارت حنق "واعظ" شهير آنذاك اسمه الكاهن كامبِل، فاستوقفه ذات مرة بعد الانتهاء من موعظته وقال "هناك أمر يحيرنى، أريد منك أن تفسره لى".. فرد ماكريدى: لا أعتقد أن لدى ما يمكن أن أشرحه لكاهن، ماهو سؤالك ياسيدى؟.. قال كامبل "ما الفرق بينى وبينك؟ أراك تطل على جمهورك ليلة بعد ليلة لتقدم لهم الخيال، وأرى الناس يقتفون أثرك أينما حللت، لكنهم ينفرون من عظاتى ويديرون ظهورهم لمحرابى رغم أننى أقدم لهم الحقيقة التي لا تتبدل، واليقين الذي ينفعهم في دنياهم وآخرتهم".. فرد ماكريدى: الإجابة في غاية البساطة أيها الكاهن النبيل.. يتبعنى الناس لأننى أقدم لهم الخيال وأقنعهم أنه حقيقة.. أما أنت فتقدم لهم الحقيقة وتقنعهم بأنها محض خيال.

لم يقصد ماكريدى قطعًا أن يتحول الداعون إلى الله إلى جوقة من الممثلين الذين يجيدون رفع العقائر والأذرع والحواجب فوق محاريب الدعوة.. ولم يدْع الرجل رجال الدين إلى نتف لحاهم أو مخالفة شرائعهم أو السير فوق حبال الفكر المتوترة لينالوا رضا الناس بسخط الله.. ويقينًا لم يرد ماكريدى بإجابته تلك أن يغير علماء الدين مضامين أحاديثهم ليتحدثوا في السياسة والفن والرياضة لاستقطاب أكبر عدد من المشاهدين..

لكن بعض الدعاة فهموا من كلام ماكريدى ما لم يعنِه، فراحوا يزاحمون الممثلين في استديوهاتهم ونافس بعضهم الممثلين والممثلات على صفحات الغلاف، وتحولت بعض حلقات الذكر إلى منتديات سياسية يدلى فيها علماء الدين بآرائهم غير الدقيقة وغير المتخصصة في أمور الاقتصاد والتجارة والتعليم والذرة، لكنهم لم يستقطبوا إلا المزيد من التجاهل والكثير من النفور، باستثناء نفر قليل.. وقليل جدًا.
في ذكرى ماكريدى.. تحية خاصة للأديب عبد الرازق الشاعر.
الجريدة الرسمية