رئيس التحرير
عصام كامل

«أبو يكح» في رحلة مع «السلف» تلف والرد خسارة.. الجزء الثاني!


تتذكرون طبعًا ما حكيته لكم في الحلقة الماضية حيث نزلت عليَّ نار عظيمة من السماء وتكلمت معي، واتضح أنها من خلق الله الذي لا نعلم عنهم شيئا، وأنها جاءت لي مأمورة لكي تنقلني إلى مستقبل سيحكمنا فيه السلفيون، وبالفعل انتقلت إلى عالم غريب، حيث وجدت نفسي في غرفة مظلمة، وإذا بطبيب يداويني وقال لي إنني وقعت من فوق سور مجلس أهل الحل والعقد.


تعجبت طبعًا من هذه العبارات خاصة أن الرجل لم يقل لي إنه طبيب ولكنه قال إنه الحكيم المداوي، وقص عليَّ بعض أخبار عن تطورات غريبة حدثت في مصر وعن شكل جديد للدولة، وكان مما قاله لي إن الرئيس الأعلى للدولة يسمى الخليفة، وأن الدولة السلفية اختارت الشيخ أبو إسحاق الحويني ليكون هو الخليفة، أما الذي يليه فهو الشيخ محمد حسين يعقوب ووظيفته اسمها “رئيس الدواوين” وكان الذي أثار دهشتي حتى جعلني أكاد أفقد الوعي هو أن الدكتور كمال الجنزوري هو نائب رئيس الدواوين وهو موقع يماثل وظيفة رئيس الوزراء في النظام السابق على سلفنة الدولة !!

طلب مني الحكيم المداوي أن أذهب معه إلى الشيخ أبو إسحاق الحويني خليفة المسلمين الذي طلب مقابلتي حتى يعرف لماذا حاولت الانتحار، ولك أن تعلم أنني لم أفكر في الانتحار في حياتي ولو لمرة واحدة، وكانت مسألة وقوعي من فوق سور ما قالوا لي عنه إنه مجلس أهل الحل والعقد من الأمور العويصة والتي لم يفهمها عقلي، ذلك أنني كما تعلمون أتيت من الماضي للمستقبل، فهل أوقعتني النار ـ التي نقلتني إلى هذا الزمن ـ فوق السور فاختل توازني ووقعت فظنوا أنني كنت أحاول الانتحار ؟! الله أعلم، المهم أن هذا هو الذي حدث.

جرت هذه الأفكار كلها في خاطري وأنا في طريقي إلى مكتب خليفة المسلمين، وأخذت أستعيذ بالله من أي شر من الممكن أن يقع على رأسي من تلك الدولة السلفية، وعلى باب حجرة الخليفة الحويني وجدت رجلين يقفان بجدية وانتظام وصرامة متناهية، وكان كل واحد منهما يحمل في جرابه سيفا، فتعجبت من هذا الأمر وقلت في نفسي: سيف ! هل يدافعون عن أنفسهم بالسيوف بدلا من الأسلحة الحديثة، مصيبة لو كان هذا هكذا.

كان الحكيم يمسك يدي وأنا في داخل غرفة مكتب الخليفة، وحين تنبهت رأيت الشيخ الحويني الذي كنت أراه كثيرا في زمني وتعجبت ! هل هذا هو نفسه الشيخ، أم أنه شخص آخر ؟! وسرعان ما قال لي الخليفة: لماذا لم تلق علينا السلام يا رجل ؟! أأنت من المسلمين أم تراك من الكفار أو من تلك الفئة الضالة المشركة التي تسمي نفسها “العلمانيين” ؟
قلت على الفور: لقد قلت يا فضيلة الخليفة السلام عليكم ولكن الكلام “انحبس” في حلقي خوفا من هيبتك ووقارك.
قال الخليفة: قل لي ما الذي دفعك إلى محاولة الانتحار ؟
قلت له وأنا أحاول أن أسايره: أنا يا فضيلة الخليفة لم أحاول الانتحار أبدا والعياذ بالله، أنا فقط كنت أحاول أن أقف فوق مكان مرتفع لرؤية هلال رمضان.
اشرأب الخليفة بعنقه مندهشا: هلال رمضان !! وفي شهر رجب !! وفي رابعة النهار !!
وهنا وجدتني قد وقعت في أزمة، فكيف أخرج منها ؟ أخذت أفكر وأنا أضع يدي على رأسي ثم نظرت إلى الحكيم المداوي وقلت له: ألم تقل لي إن وقوعي أثر على رأسي، ثم نظرت للخليفة وأنا أقول: يبدو يا سيدي الخليفة أن وقوعي أثر على قواي العقلية، ولكن الذي أعرفه أنني لم أفكر أبدا في الانتحار.
قال الخليفة: انظر يابني، نحن هنا نطبق الإسلام تطبيقا حرفيا.
قلت له: هذا حسن ياسيدي الخليفة، ولكن وقوعي أثر على ذاكرتي، فهل من الممكن أن تأذن لي بأن أوجه بعض الأسئلة لفضيلتكم حتى أتذكر ما فات من حياتي.
قال الخليفة: حسنٌ حسن، سل ما تشاء.
قلت له: وجدت أن من يقفون على بابك يحملون سيوفا، فأين الأسلحة الحديثة ؟
قال الخليفة: ألا تعلم أن الجهاد في سبيل الله فريضة ماضية إلى يوم الدين ؟!
قلت: نعم نعم، وهل ينكر أحد ذلك.
قال الخليفة: والفريضة يجب أن نؤديها كما أداها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لا يجوز لنا يا غلام أن نغير في الفريضة أو نحور فيها أو نطور في وسائلها، هل سمعت يوما بمن يقول إننا يجب أن نصلي بطريقة مغايرة عن الطريقة التي صلى بها رسول الله ؟
قلت له: لا طبعا وهل نجرؤ، هذا يكون ابتداعًا في الدين.
قاطعني الخليفة: وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وبما أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاهد المشركين والكفار بالسيف فيجب أن نجاهد أيضا بالسيف كما جاهد، ولا تظن أن هذا الأمر تخلف، لا والله، ما هو تخلف، بل هو تطبيق للفريضة كما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ولأننا نبتغي إرضاء الله لذلك فإن الله سينصرنا.
قلت له: ولكن أليس من المباح لنا أن نجدد في الدين، أليس هناك حديث، وأنت يا فضيلة الخليفة أكبر عالم في الدنيا في علم الحديث، يقول إن الله يرسل على رأس كل مائة عام من يجدد للأمة أمر دينها.
قال الخليفة: نعم هذا صحيح، ولذلك فقد وافقنا على بعض التجديدات، ومنها أننا سمحنا للجيش المصري المسلم أن يستخدم المنجنيق.
ترنحت من هول المفاجأة فاستندت إلى الحكيم المداوي، وعندما تملكتُ نفسي واستعدت هدوئي، وعادت لي رباطة الجأش، ولا تسألني عن الجأش، إذ أنني سمعتها كما أقولها لكم، وهنا قال لي الخليفة: يا غلام، لك أن تحمد الله أننا نطبق الإسلام، وقد اقترحت على مجلس أهل الحل والعقد طريقة ستجعلنا أغنى دولة في العالم.
قلت وقد انبسطت أساريري: وما هي هذه الطريقة يا فضيلة الخليفة ؟
قال الخليفة: الجهاد، لا توجد وسيلة إلا الجهاد، اسمع مني يا غلام، لو خرجنا كل عام للجهاد، نذهب مثلا إلى إيطاليا الكافرة، وأنت تعلم أن إيطاليا واليونان وتلكم البلاد كانت هي بلاد الروم في زمن الرسول، فإذا ذهبنا بإيماننا وأسلحتنا التي جاهد الرسول صلى الله عليه وسلم بمثلها، فحتما سننتصر، وحين ننتصر سيعود كل مجاهد ومعه نحو عشرة أو عشرين رأسًا.
قلت له مستفهما: رأس ؟! ما معنى رأس ؟!
قال الخليفة بنفاد صبر: افهم يا أخي، الرءوس هنا هي رءوس الصبايا والعبيد والغلمان، وطبعا كل من سيعود بتلك الرءوس سيقوم ببيعها، وقد يكون ثمن الرأس الواحد أربعمائة دينار، وطبعا رءوس الجواري ستكون أغلى، وفوق هذا وذاك فإننا حين ننتصر سنفرض الجزية على إيطاليا واليونان، وهذه الجزية ستدخل لنا دخلا قوميا كبيرا أعظم من دخل البترول وقناة السويس والسياحة، وفي العام الذي سيليه سنذهب إلى إنجلترا ونغزوها، وبعدها أمريكا، وهكذا، وبهذه الطريقة سنستطيع تحسين النسل في بلادنا، إذ أن بنات بني الأصفر سيكونوا ملك يميننا نفعل بهن ما نشاء ونستمتع بهن كما نشاء.
سألته: وهل نأخذ الجزية هنا في مصر من الأقباط ؟
قال الخليفة: طبعا، أليس هذا ديننا يا رجل، الجزية فريضة وهي مرتبطة بالجهاد، لذلك فرضناها عليهم.
قلت له: وماذا عن الأحزاب السياسية ؟
نظر لي الخليفة باستنكار ثم قال: أنا مستريب منك يا غلام، لا يوجد لدينا إلا حزب الله، وهو حزبنا، أما باقي الأحزاب فهي أحزاب الشيطان، ونحن نقاتلهم حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة.
وبينما كنا نتحدث دخل علينا رجل وقال للخليفة: أيها الخليفة المتمسك بالدين، تسألك زوجتك الأميرة غادة بنت حنكوش أن تسمح لها بأن تقوم بإرضاع أحد الحراس الذين يحرسونها لأنه يدخل عليها القصر كثيرا ليسألها عن مواعيد خروجها، وهي لا تقبل أن يدخل عليها دون أن يكون معها محرم، وهي تذكرك بحديث “إرضاع الكبير” وتقول لك إذا عدت ووجدت أن حارسها يلتقم ثديها فاعلم أنها ترضعه حتى يحرم عليها، وأنهم بهذا يتعبدون لله بإرضاع الكبير.
قال الخليفة: قل لها لا مانع فهذا حديث حسنٌ صحيح.
ثم استدار إلى الخليفة وقال: على فكرة نسيت أن أخبرك أن مجلس القضاء الأعلى المنبثق من مجلس أهل الحل والعقد أصدر حكما عليك بالقتل بضربة واحدة بالسيف.
قلت وقد انتابني الفزع: قتلي أنا، ولماذا يا سيادة الخليفة ؟!!
قال: لأنك حاولت ارتكاب جريمة قتل.
قلت: قتل ! قتل من ؟!
قال: قتل نفسك، ألم تحاول الانتحار وفشلت، عقوبة هذه الجريمة هي القتل بقطع رقبتك.
قلت له: وماذا لو كنت قد نجحت في الانتحار، ماذا كنتم ستفعلون بي ؟
قال: كنا سنقتل أحد الجنود ليذهب خلفك بسيفه إلى الدار الآخرة.
وعلى حين غرة وجدت الدنيا تدور بي ثم وجدت نفسي مستلقيا أسفل سور القلعة وصديقي السميدع ابن حارتي يهز كتفي فقمت فزعا وقلت له: أين الخليفة ؟
قال: هل تريد قسم الخليفة، هل تريد أن تحرر محضرًا ضد أحد؟
قلت متعجبا: قسم الخليفة! لا أنا أسأل عن الخليفة.
قال: أتقصد حي الخليفة.
وهنا تنبهت إلى أنني عدت لزمني، فقلت: ما أحلاك يا زمني، استمتع ياصديقي بالسيئ، فما هو قادم أسوأ.
الجريدة الرسمية