رئيس التحرير
عصام كامل

الفتاوي السياسية.. الدين في خدمة «أولى الأمر منكم»


“ما لا يدرك كله لا يترك كله” هكذا تسير العلاقة ما بين عدد ليس بالقليل من رجال الدين والساسة في الشارع المصري، فالأمر الذي يمكن أن ترفضه النخبة المثقفة لا بأس من إرفاق فتوى شرعية تجيز وجوبه ليتقبلها المواطن العادي - المتدين بالفطرة-، ومن هذا المنطلق كان من الطبيعي أن تكون هناك ما يطلق عليه إعلاميا “الفتاوى السياسية” التي تتم الاستعانة بها للخروج من مأزق سياسي أو حصد أصوات وجماهيرية، وقد شهدت السنوات الأخيرة لحكم “المخلوع” وشهور ما بعد الثورة ثراء في تلك النوعية من الفتاوى من أبرزها ما أفتى به الدكتور “على جمعة” مفتي الديار المصرية بجواز عدم صلاة الجمعة طالما سيمثل هذا خطرا على المواطن، وقد صدرت تلك الفتوى -وفقا لتحليلات البعض- بإيعاز من النظام السابق لمنع خروج المصريين يوم “الجمعة” للتظاهر ضد “المخلوع” ونظامه.

الشيخ “محمد حسان” لم يكن هو الآخر بعيدا عن سيناريو “الإفتاء السياسي” لكنه وقع في خطأ الازدواجية حيث حرم جمع التبرعات في عهد الرئيس السابق وعاد ليتبناها تحت مظلة المجلس العسكري وحكومة الدكتور الجنزوري.
وقد أفتى الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بفتوى حلل فيها قتل الزعيم الليبي معمر القذافي، وقال إنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ومن يستطيع من ضباط وجنود الجيش الليبي أن يقتل معمر القذافي فليفعل وجاء رد النظام الليبي عليه بعرض فتاوى مسجلة لشيوخ من السعودية وهم صالح الفوزان، وربيع المدخلي، وعبد المحسن العباد، جاء فيها تحريم الخروج في المظاهرات وتحريم مشاهدة قناة “الجزيرة” وكل قناة تحرض على الفتنة ووجوب طاعة ولي الأمر وتحريم الخروج عليه. وعلي إحدي الفضائيات المصرية ظهرت فتوى الشيخ محمود عامر رئيس جمعية أنصار السنة بدمنهور بإهدار دم محمد البرادعي لأن ما قام به من مواجهة النظام والخروج عليه هو خروج على الحاكم وشدد على أنه إذا لم يتب البرادعي فعلي ولي الأمر أن يسجنه أو يقتله درأ للفتنة.
ومن ضمن الفتاوى السياسية فتوى تحريم الزواج من بعض المسلمات مثل عدم جواز تزويج أي مصري ابنته من أعضاء الحزب الوطني الفاسدين والتي أفتي بها الشيخ عمرو السطوحي رئيس لجنة الدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف.
وكان من الفتاوى التي تحمل أغراضا سياسية أثناء الانتخابات البرلمانية المصرية الفتوى التي أفتي بها الراحل عماد عفت أمين عام الفتوى بدار الإفتاء المصرية على تحريم التصويت لفلول الحزب الوطني، ففى سنة2011 أطلق الشيخ السلفى محمود عامر من قبل فتوى تجيز توريث الحكم لجمال مبارك خلفا لوالده، وهو نفس الشيخ الذي افتى بتحريم التصويت في الانتخابات البرلمانية الماضية للعلمانيين والليبراليين والأقباط معتبرا أن من يصوت لهم آثم وخائن للأمانة وهناك فتوى سياسية أخرى أفتى بها الشيخ حمدى قاسم القيادى في حزب الحرية والعدالة بالفيوم خلال لقاء انتخابى تنص على أن اختيار مرشحي الإخوان ما هو الا صورة من صور العبادة والتقرب إلى الله في خدمة الشعب المصرى.
كما أفتى الشيخ ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية في مصر بعدم جواز التصويت لصالح التحالف الديمقراطي من أجل مصر والذي يتزعمه حزب الحرية والعدالة في الانتخابات البرلمانية الماضية، معللا ذلك بأن التحالف الديمقراطي لم يأتي لنصرة الدين والشريعة وإحقاق الحق ونصرة المظلوم.
وأطلق الشيخ محمد علاء أبو العزايم شيخ الطريقة العزمية مجموعة من الفتاوى ضد التيار السلفي حيث قال صراحة: إن التصويت للسلفيين هدم لمصر، وخيانة للوطن مؤكدًا على أن وصولهم لمجلس الشعب سيقودها إلى الوراء لأكثر من 100 سنة.
وفي أحدث صدمات الفتاوي أفتي رئيس هيئة كبار العلماء ورئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ومفتي عام السعودية عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ بوجوب هدم جميع الكنائس في شبه الجزيرة العربية. واعتبر الشيخ الذي يمثل المرجعية الأكبر في المملكة أن شبه الجزيرة تخضع لدين الإسلام فقط ووجود الكنائس في بعض الدول منها هو اعتراف بصحة هذه الأديان.
وجاءت آخر فتاوي الشيخ في سياق رده على منظمة مجتمع مدني كويتية اعترضت على الدستور الكويتي الجديد الذي أقر أعضاء البرلمان مادة جديدة به الشهر الماضي لحظر بناء الكنائس الجديدة، الأمر الذي أثار موجة استياء عالية بين الأقليات المسيحية التي تعيش في شبه الجزيرة خاصة في السعودية، واليمن، وعمان والكويت.
ومن جانبه أكد الشيخ على أبوالحسن رئيس لجنة الفتوي الأسبق بالأزهر الشريف أن هذه الفتوي غير صحيحة لأن الإسلام قام على جماعة المسيحيين واعتبر المسيحيين رعايا داخل الدولة الإسلامية ومن هنا وجب على دولة الإسلام حمايتهم وحماية دور عبادتهم، ولا يجوز المساس بها أو الاقتراب منها بسوء لأن في ذلك مخالفة للشريعة الإسلامية وقد حمي الله تعالي أهل الكتاب وهم أهل الانجيل فقال تعالي في الانجيل: «واتيناه الانجيل فيه هدي ونور» وقال تعالي: «وقفينا بعيسي ابن مريم وآتيناه الانجيل» وقال أيضًا: «وآتينا عيسى ابن مريم الكتاب وايدناه بروح القدس» كل تلك الآيات واضحة في أن الله تعالي حمي أهل الكتاب وجعل حمايتهم في أرض الإسلام واجبة ماداموا قد التزموا بقوانين والتزامات الدولة الإسلامية وقد قال تعالي أيضًا في الانجيل: «وانزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه» ومعني مهيمنا أي حافظا وحارسًا.
تقول الدكتورة نادية حسنى أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية عن الفتوى السياسية في العصر الأموى إن معاوية بن أبى سفيان بعد استقرار الأمور له ولى ابنه يزيد ليتولى مقاليد الأمور من بعده في سابقة توريث الحكم في الإسلام ولم ينتظر رأى أو فتوى من أحد بل كان هذا إقرارا من معاوية بل إنه ضغط على المسلمين لأخذ البيعة في حياته لابنه يزيد وذهب للمدينة ليأخذ البيعة من عبد الله بن عمر وابن عباس والحسين بن على وضغط عليهم لدرجة أن الحسين بن على وعبد الله بن الزبير غادرا المدينة مساء متجهين لمكة بعد أن ضغط عليهما لإتمام البيعة لابنه رغما عنهما وكانت بيعة الابن يزيد على غير رضا المسلمين.
الدكتور صلاح عبد الله المتخصص في التاريخ الإسلامى يقول: إن الفتاوى السياسية في العصر العباسى ومنها فتوى الأمان الذي كتبه أبو جعفر المنصور لعمه عبد الله بن على ووجد من الفقهاء من يقولون ببطلانه وكانت مصلحة المنصور في بطلانه ليقتل عمه عبد الله بن على لأنه خرج عليه وعلى نفس المنوال أقر الفقهاء بطلان الأمان الذي أعطاه أبو جعفر المنصور لعمر بن هبيرة فقتله كذلك، أيضا فتوى خاصة بهارون الرشيد فبعد أن أعطى الأمان ليحيى العلوى قال بن شبرمة وابن أبى ليلة هذا الأمان باطل فخرقه الرشيد وقتل يحيى العلوى.
وتابع دكتور صلاح قائلا: هناك مجموعة من الفقهاء أفتوا الأمين بجواز خلع أخيه المأمون من ولاية العهد فقام بخلعه وهو ما ادخل المسلمين في دوامة من الحروب، وفي عصرنا هذا نري الجرأة المتمادية في إصدار فتاوى ذات طابع سياسي لإرضاء الحكام وأولي الأمر أو تبعا لهوي الحكام، بل ووصل الأمر إلى أن تكون الفتوى سلاحا قويا في يد بعض المندسين على الإسلام. فلقد خرج علينا بعد الثورة العديد من الفتاوى الغريبة الطابع والبعيدة عن الإسلام وسماحته بدأت بتحريم التظاهر والمطالبة بالحقوق.
الجريدة الرسمية