شيء من الاحترام للعقول!
لا داعي إلى أن نصور جماعة الإخوان على أنها أخطبوط رهيب، يمد أذرعه إلى كل مكان؛ الشمال والجنوب والشرق والغرب، وأنه موجود في الوسط وفى الأطراف، وأنه قادر على إثارة الفتن بين طوائف الشعب، وإحداث الصدامات الدموية بين العائلات، وإشعال الكراهية والعداوة والبغضاء على المستوى المجتمعى العام.
غير معقول يا ناس اعتبار كل ما يقع من مصائب وكوارث وراءه الإخوان.. للأسف، يحلو للبعض أن يعوم على العوم، كما يحلو للبعض الآخر أن يعلق فشل هذه الوزارة أو تلك على شماعة الأخطبوط المزعوم والمتوهم للإخوان..لا نريد تهوينًا ولا تهويلًا.. نريد وضع الأمر في نصابه الصحيح.
نعم لا يزال الإخوان موجودين، ولهم تنظيمهم، وأنهم مدعومون من قوى كبرى.. لكن يجب ألا ننسى أنهم تلقوا ضربات موجعة أضعفت من قدراتهم وإمكاناتهم وطاقاتهم.. هم اليوم أضعف من الأمس، وسوف يكونون غدًا وبعد غد أضعف كثيرًا.
يقال إنهم قلبوا علينا الدنيا في الخارج من خلال "التنظيم الدولى"، لكن في المقابل، نغفل أنه لا الخارجية ولا هيئة الاستعلامات بذلتا ما هو مطلوب منهما خلال الفترة الماضية(!)
إن بعض القيادات الرسمية، تجاوزت عمرها الافتراضى بكثير؛ ترهل، وعجز، وعدم كفاءة وانتفاء القدرة على تنفيذ ما هو مطلوب..كما أن طريقة التفكير وأسلوب الأداء الذي عفى عليهما الزمن مازالا يتحكمان في مؤسساتنا.. نحن كما لو كنا نريد الوصول إلى سطح القمر بعربة كارو.
هذه ليست دعوة للتيئيس، لكنها دعوة لتشخيص العلل والداءات التي تلبست أذهاننا وعقولنا وأجسادنا، لابد من مواجهة أنفسنا بالواقع الأليم حتى نستطيع أن نخطو ولو خطوة واحدة، لكن في الاتجاه الصحيح نحو العلاج.
أزعم أنه تنقصنا شجاعة المواجهة والمكاشفة والمصارحة وتسليط الضوء على عيوبنا ومفاسدنا، "ورحم الله امرئا أهدى إليّ عيوبى، و"يا بخت من بكانى وبكى على، ولا ضحكنى وضحك الناس على"..
إذا كان مبارك قد ترك لنا فسادًا لا يزال ساريًا، وعقولًا خربة صارت اليوم أكثر خرابًا، وأن هناك من يحن للماضى، بكل ما فيه من قبح ودمامة، فهذا معناه أن الطريق أمامنا ما زال طويلا وشاقا.
يا سادة.. لو كان الإخوان عباقرة، فلماذا فشلوا في حكم مصر؟ وإذا كان الأمر كما يقولون أو يدعون أنها كانت مؤامرة أطاحت بهم، رغم أنهم كانوا على قمة هرم السلطة، والوزارة في قبضة أيديهم، والإدارات المحلية معهم، فلماذا لم يكتشفوها؟ ولماذا لم يحبطوا عملها؟ في رأيي ورأي الكثيرين أن الإخوان "فشلة"، وأنهم ليسوا بهذه القدرة الهائلة التي يتصورها المنهزمون.. وإذا كانوا قد نجحوا في شيء، فهو إيهام البعض بأنهم عباقرة.
يقال إن لدينا برامج هائلة وعظيمة، ليس فقط للخروج من الأزمة الاقتصادية أو علاج المنظومة الاقتصادية المشوهة، لكن للنهوض بمصر في شتى المجالات، غير أن هذه البرامج حبيسة الأدراج، أو تقف في مواجهتها بيروقراطية عتيدة قاتلة لأي فرصة للتقدم، أو ينقصها دفعة بسيطة لكى توضع على القضبان، حتى تنطلق، فنحن أساتذة في "تبويظ الطبخة علشان بنكلة ملح".
لذا، فإن القضية برمتها في أمس الحاجة إلى إرادة سياسية، فهل يمتلك الرئيس القادم - أيا كان - هذه الإرادة؟ نرجو ذلك.
