رئيس التحرير
عصام كامل

رحم الله زماننا


رحم الله زمانً تعلمنا فيه منذ نعومة أظافرنا أن نختار ألفاظنا قبل التفوه بها حتى لا ينهرنا أباؤنا وكان التلفاز يُظهر علينا كل ما يحافظ على قيمنا ولا يضع الأسرة في حرج مع أطفالها وحتى الأفلام كنا نشاهد من يمثلون دور الراقصات والعاهرات وهن يتحدثن بتحفظ ولا نسمع منهن ما يخدش الحياء.


وكانت البرامج تدقق في اختيار ضيوفها بحذر شديد وكان الالتزام بكل ما هو متفق عليه ومعد مسبقًا وكنا نرى الاحترام والأسلوب الراقى في الحوار بين المذيع والضيف واحترامهما للمشاهد وعقليته وأسرته.

ولكن اليوم بعد انتشار وباء الفضائيات ظهرت لنا الصفوة المستفزة من مسطحي الفكر وقنوات العهر وحلقات الردح بين السياسي والراقصة والسياسي والرياضى وبين السياسيين بعضهم البعض ويبدو أن الراقصات عقدن معاهدة فيما بينهن بعدم تجريح بعضهن البعض فما عدنا نسمع راقصة تعيب في زميلاتها وتُرك هذا لما يسمى بالصفوة السياسية فتعودت آذانا على سماع الكذب والبهتان في برامج التوك الشو وعدم التحفظ في الألفاظ والهجاء وعدم مراعاة وجود أسر وأطفالها.

رحم الله الزمان عندما كان قدوتنا طه حسين ونجيب محفوظ وكنا نستمع عبر الأثير والتلفاز لصوت أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ومطربين ومطربات غاية في الاحترام والأناقة هولاء من كانوا قدوتنا.

وكانت البرامج الدينية تبث في النفوس الحب والمعاملة الحسنة واحترام الغير وكانت الناس جميعًا في مصر تنتظر يوم الجمعة بعد الصلاة لسماع الشيخ الشعراوى وكنا قبل نزولنا لصلاة الجمعة نستيقظ باكرا لمشاهدة عالم الحيوان وبرامج الأطفال فكانت برامج هادفة تشاهدها الأسرة بالكامل آباء وأطفالا فقد كانت تعلمنا الكثير وتؤثر في سلوكياتنا بالإيجاب.

ولم نسمع يومًا في زماننا عن التحرش والاغتصاب وعندما كانت تعرض حادثة من هذه القضايا في برامج التلفاز كانت تقابل بالاستهجان من قبل الصحفيين في جميع الجرائد ورفضهم عرضها على المشاهدين داخل البيوت وكان الرد على هذا بأن ما يعرض هو من شواذ الأمور فقط وليس من طبائعها وهذا من وظائف البرامج ولكن هذا الرد كان لا يقنع المثقفين الحقيقيين وكانوا يقولون بأن عرضا مثل هذه القضايا سيجعل المراهقين يعتادون عليها وتصبح متأصلة في نفوسهم وبذلك تتسع مساحة مرتكبيها وقد صدقوا فيما كانوا يقولون فنحن نعيش مهزلة أخلاقية بكل صورها وفى كل نواحى حياتنا في الشارع والمنزل وعلى الشاشات حتى جاء اليوم لتُظهر السينما علينا بأفلام صريحة العُهر وانقلبت الآية وأصبح رموز العُهر هم القدوة وهم من يملكون المال وهم رموز المجتمع وصفوته ومات احترام الصغير للكبير واحترام العلم والعلماء وأصبح الشباب هم قدوة أنفسهم إما تطرفا ومغالاة في التطرف الدينى بلا فهم أو تطرفا ومغالاة في التطرف في الحقارة والدناءة.

فهل هي الحرية التي ينادون بها؟ ويقولون من لم نُعجبه فليتجه إلى قناة أخرى فهل يمكن بهذا المنطق أن نرى سينما البورنو في الشوارع؟ وتكون الحجة أنها الحرية والديمقراطية كما يحدث في العالم المتقدم فإن كان هذا تقدم فنعمَ التخلف وأفتخر بأنى من المتخلفين.

رحم الله زماننا كانت الأنثى أنثى، وكانت إن ضايقها أحد بمجرد الكلام أو النظر إليها بطريقة ما كانت تصفعه على وجهه ولم يستطع حينئذ التحرك من مكانه إنما اليوم فما أشاهده عجبًا أشاهد الخشونة بين الأولاد والبنات في معاملاتهم لبعضهم البعض ولا أستطيع التفرقة بين الذكر والأنثى وبرغم انتشار الحجاب والنقاب بعكس ما تربينا عليه وعاصرناه عندما كانت البنات ترتدى المينى جيب والكت انتشر التحرش والاغتصاب وكلها أفعال تدل على عدم احترام المجتمع لبعضه البعض وهذا تطور طبيعى لانتشار الكذب وكل الموبقات التي نعيشها اليوم. فما عاد لنا إلا اجترار ذكرياتنا الجميلة وزمن الورود.. رحم الله زماننا ولك الله يا مصر. 

الجريدة الرسمية