رئيس التحرير
عصام كامل

من يبحث عن من ؟.. تلك هي القضية!


نحن في أَمَس الحاجة لإعادة بناء الدولة المصرية على أسس فاعلةٍ جديدة، فطوال عقود من الزمان لم تحقق النظم الموضوعة للمجتمع أي إنجازات توازى حجم وثقل وقيمة مصر وتاريخها، وفي ظرف تاريخى عصيب نحتاج فيه بشدة لأفضل العقول والخبرات في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة والتخطيط والبحث العلمي لا تجد تلك الكفاءات نفسها في وضع يسمح لها بخدمة وطنها.


فما زال تغليب أهل الثقة وتغريب أهل الخبرة قائمًا، إن استمرار تجاهل العقول والخبرات والكفاءات داخل وطنها يعيد إنتاج دورة التخلف التي عاشت فيها مجتمعاتنا منذ عقود طويلة، وتسببت في حرمانها من الاستفادة من خبرات ومؤهلات تلك الخبرات القيمة، ولم ير الكثير من أصحابها من حل أمام طاقاتهم المعطلة إلا الهجرة إلى الغرب الذي استقطب تلك النخب العلمية والفكرية، ووظفها في جميع المستويات لصالح منظومة اقتصاده وقوة بلاده.

ومع أن هجرة تلك العقول لها تكلفتها الحضارية والعلمية والمؤسساتية الباهظة لم تنتبه الحكومات المتعاقبة لذلك الخطر، وركنت إلى اعتبار هذا الكم من المهاجرين المصريين بمثابة مغتربين لا دور لهم إلا تحويل العملة الأجنبية إلى السوق المصرية ! مع أن واحدًا منهم أو أكثر لو وجد الفرصة والمناخ الملائم له في بلده لأنتج بإنجازه العلمى أضعاف ما يضاف إلى اقتصاده من تلك التحويلات المالية المحدودة.

لقد ساهم الآلاف منهم في تقدم المجتمعات التي يعيشون فيها، وأضافوا إليها لأنهم وجدوا برامج موضوعة للاستفادة من قيمتهم العلمية، وتواجدوا في نُظُمٍ تبحث عن الكفاءات والخبرات وتوظف قدراتها في تنمية المجتمع وتقدمه، ولا تعرف مفهوم الأقدمية البالى لصالح تولى الأكثر كفاءة والأقدر على الأداء، فالمنظومة المدنية لا تتقدم إلا بتولى الأكفأ وليس الأقدم، لأن تقدمها يقوم على الإبداع والابتكار والتجديد وليس على الأمر والتقليد والانصياع، وهذا هو سبب تقدم المجتمعات الغربية وسيادتها في كافة المجالات.

إن القضية تتلخص في.. من يبحث عن من؟ هل المجتمع هو الذي يبحث عن الكفاءة والقيمة، أم أن الكفاءات هم الذين يبحثون عن مجرد فرصة لعرض خبراتهم وسط كل المعوقات التي وضعتها نُظُم الدولة أمامهم، ولابد من تغييرها إذا كنا جادين في عملية الإصلاح حقًا !
الجريدة الرسمية