رئيس التحرير
عصام كامل

"السينما" الصناعة المفقودة


مصر كان لها السبق في صناعة السينما، كان أول عرض سينمائى شهده العالم عام 1935 في فرنسا، وكان في السنة التالية، العرض الأول للسينما المصرية في الإسكندرية، وتوالت الأفلام البسيطة، من خلال شركات أجنبية، حتى كانت البداية الحقيقة لسينما على يد الرجل الاقتصادى طلعت حرب –وقدر برؤيته الاقتصادية قيمة صناعة السينما وأدرك أهميتها..


وبالفعل تم إنشاء استديو مصر عام 1935 وكا بمثابة النقلة في تاريخ السينما المصرية وظل استديو مصر محور الحركة السينمائية وكان فيلم" العزيمة" في عام 1939 محطة هامة في تلك الفترة..

كذلك فقد ظهرت جريدة مصر السينمائية وكانت مهتمة بأحداث السينما والفنانين وكانت حلقة وصل بين الإنتاج والتسويق للفيلم-حتى مجىء، ثورة 1952 وكانت المحطة الأولى والأكثر أهمية وارتبطت السينما ارتباطا وثيقا بالأحداث التاريخية التي مرت بها البلاد والتي كان أغلبها حروب وتحديات لكنها كانت الفترة الحقيقة التي جسدت التاريخ بالصوت والصورة وبدأت السينما في طريقها للإبداع الحقيقى..

وتم تأميم شركات الإنتاج –وأصبحت الدولة لها الدور الريادى في تقديم السينما للشعب بعيدا عن الربحية، في هذه الفترة استخدمت السينما في صناعتها أشهر الكتاب والروائين وأفرزت لنا أفضل المخرجيين، عبرت عن النضال الثورى ضد الاحتلال الإنجليزى عبرت عن مراحل مصر المهمة وظروفها الاجتماعية القاسية بشكل سينمائى لائق، جاء ذلك من خلال روايات نجيب محفوظ في رائعته بين القصرين، عبرت عن النضال الثورى في رواية إحسان عبد القدوس عن فيلم في بيتنا رجل، عن الرومانسية والثورة في رواية يوسف السباعى رد قلبى ،. تجسيد النضال الشعبى في فيلم بورسعيد وجلاء الإنجليز..

أيضا رصدت السينما معاناة الموظف البسيط في فيلم أم العروسة، وتوالت الأفلام الرصاصة لاتزال في جيبى، زوجة رجل مهم رصدا لفترة السبعنيات وظهور الفساد السياسي، سواق الأتوبيس، جعلونى مجرما، عبرت السينما عن الفراعنة وتاريخهم في فيلم المومياء للمخرج المبدع شادى عبد السلام، عن ابن النيل والصراع الطبقى في رائعة يوسف شاهين في ابن النيل، التاريخ النضالى ضد الاحتلال الفرنسى في فيلم وداعا بونابرت.عن الفلاح ومقاومته للاحتلال الإنجليزى في فيلم الأرض للروائى العبقرى عبد الرحمن الشرقاوى وأيضا إخراج يوسف شاهين وغيرها من الأفلام الرائعة عبرت عن الفساد الحكومى في ضد الحكومة، عن كفاح الشباب في الخارج في فيلم النمر والأنثى..

إن ما ذكرته من أفلام أو مخرجين أو روائيين، كل ذلك على سبيل الذكر لا الحصر هذه الأفلام –صالت وجالت في مهرجانات إقليمية وعالمية، وكانت مصر في أحلك الظروف السياسية والأزمات المادية، التي كانت تمر بها البلاد في مراحل الانكسار والانتصار، لكن الظروف الصعبة لم تؤثر على رقى السينما وذلك نابع من إيمان صانعى السينما بالريادة المصرية في السينما العربية والعالمية ومالها من دور قيمى وثقافى..

أما الآن نحن فرطنا في تراثنا السينمائى تركناه، تعبث به شركات القطاع الخاص، تنتج أفلاما هابطة لاتمثل واقعا ولا تحل مشكلة ولا ترصد سياسية. للأسف المشاهد العربى على الأقل الذي تربى على السينما المصرية الراقية، لايفرق إذا كان الفيلم على شاشة السينما قطاع عام أو خاص، معبرا عن الشعب أو لا، لكن عندما يعرض الفيلم يقول الحضور فيلما مصريا..

إن التعميم وإن كان مجحفا لكنه واقع يمسنا جميعا– ويعود علينا بأفكار سلبية وتهشيم لتاريخنا ––فالسينما الهابطة التي قدمت هذه الأفلام ونقلت هذه الصور القبيحة عنا، عبر القنوات الفضائية، حتى فوجئ العالم ببطولة ونضال الشباب المصرى في أعظم ثورات العالم، يا سادة أدركونا..

الجريدة الرسمية