رئيس التحرير
عصام كامل

«أبو يكح» في رحلة مع «السلف» تلف والرد خسارة !


كل يوم أتعرض لمفاجأة مذهلة، ومن المفاجآت التي تعرضت لها مؤخرا تلك الحكاية التي سأحكيها لكم، أظنني تكلمت معكم عن نار عظيمة هبطت عليَّ ذات يوم، وحكيت لكم عن قصتي معها وحديثي معها بشأن انتخابات الرئاسة، ولكن الجديد هو أن النار حضرت لي مؤخرا وكشفت لي عن أمر مستقبلي، صممت النار على أنني رجل “نبوءات” وأنه من العار أن أتنبأ بالمستقبل دون أن أذهب إليه وأعيش في أحداثه، ولكن كيف أذهب إلى المستقبل؟ وهل ذلك في المستطاع أيها السادة ؟ وهل إذا ذهبت للمستقبل أستطيع أن أرى الأحوال الجديدة لحارة درب المهابيل وأحوال أهلها ؟! وهل كذلك أستطيع معرفة ما الذي سيحدث في مصر أم الدنيا ؟!

الحكاية أيها السادة أنني كنت في ليلة من الليالي سارحا في ملكوت الله، كان النور وقتها مقطوعا، وأنا وحدي عند سفح القلعة أتجول وأفكر في الدنيا وأحوالها، ألم يأمرنا الله بأن نسير في الأرض ونتفكر في خلق السماوات والأرض، وبينما أنا على هذا الحال إذا بالنار العظيمة تهبط عليَّ من السماء، أصابني الرعب في بادئ الأمر، إذ أن “الفجأة” من شأنها أن تجعل الحكيم مفزوعا، والشجاع مرعوبا، ولكنني استطعت أن أتمالك نفسي، فهدأ روعي وثبت جناني، ولكن “الفجأة” كانت قد أجلستني على الأرض، وحينما استطعت التقاط أنفاسي قالت لي النار وكأنها تدخل في الموضوع مباشرة: انظر يا أخ جوسقي بما أنك حكيم دهرك وشيخ عصرك رأيت أن أساعدك بعلمي كي تقطف عنقودا من عناقيد هذا العلم، لقد قررت أن أرسلك إلى المستقبل القريب لتعيش فيه وتعرف ما الذي سيصير إليه حالكم عندما يحكمكم السلفيون، وعندما يدير تعليمكم وثقافتكم ودينكم أهل الظاهر والنقل دون أهل الدراية والفهم، اسمع يا أبو يكح الجوسقي، ستمكث هناك في المستقبل القريب يوما أو بعض يوم ثم ستعود مرة أخرى إلى زمنك فإذا نظرت في ساعتك حين تعود فإنك لن تجد عقرب الساعة تحرك إلا ثانية واحدة.
كيف هذا.. أساحر أنت يا عم الحاج نار... قلتها وأنا أتعجب.
هز السيد المحترم نار، رأسه النيرانية يمينا وشمالا دلالة على قلة حيلته مع أمثالي، ثم قال: ألم تعرف أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أُسري به إلى المسجد الأقصى ثم عُرج به إلى حيث سدرة المنتهى ثم عاد إلى فراشه في ليلة شاتية ولم يكن مكانه في الفراش قد برد بعد.. أي ظل محتفظا بالدفء، ألم يأتك نبأ العبد الذي أتاه الله علما من الكتاب والذي أحضر عرش بلقيس لسليمان عليه السلام قبل أن يرمش له جفن.. هذا هو العلم الذي تجهلونه.
تدلى لساني من فمي وأنا أسمع النار، ومن فرط الدهشة التي اختلطت بمشاعر الرعب أخذ قلبي يرتجف وكأنه كتكوت خرج من بركة ماء، ولكنني تمالكت نفسي، فأخذت أناقش النار قائلا: ولكن هذه أيها الأخ “نار” معجزات يجريها الله على يد الأنبياء والرسل وما أنا ولا أنت من الأنبياء.
قالت النار: من قال ذلك ؟!! العبد الذي عنده علم من الكتاب وأحضر عرش بلقيس لسليمان في طرفة عين لم يكن نبيا، وسيدنا عمر بن الخطاب عندما اخترق حجب المكان ورأى على بعد آلاف الكيلومترات قائد جيشه “سارية” وقد أحاط به الأعداء فصاح به: يا سارية الجبل الجبل أي احتم بالجبل، والأعجب أن سارية هذا سمع عمر بن الخطاب، ولم يكن عمر نبيا ولم يكن سارية رسولا... هذا علم القلوب يا جوسقي والله يعطي هذا العلم لمن يشاء من عباده، هذا العلم لا تعرفه بالتلقي من عباد الله، ولكن تأخذه بالترقي ثم بالتلقي عن طريق الإلهام من خالق الخلق....هناك علم الإشارة وهناك علم الإنارة.. هناك يا جوسقي من يسعى إلى هذا العلم حبوا فلا يصل إليه، وهناك من يسعى إليه هذا العلم دفقا فلا يلتفت إليه إذ ليس له من غرض إلا حب الله.
قلت له وأنا أتعالم: نعم نعم أنا أعرف شيئا من علم الزمن ولكن عن طريق التلقي، وليس الترقي، فالعالم أينشتين أثبت حسابيا أنه من الممكن أن ينطلق صاروخ فضائي بسرعة معينة فيدور حول الكون كله ثم إذا به بهذه السرعة يعود إلى الأرض مرة أخرى قبل أن ينطلق الصاروخ أصلا.. صحيح المسألة فيها لخبطة ودماغي أخذت تلف يمينا ويسارا عندما علمت هذا الأمر، حتى أنني بحثت عن كوب شاي يعدل دماغي، ولكن في الأول والآخر فإن ما قلته لك يا نار هو من الأمور العلمية التي يتم تدريسها في أروقة العلم والجامعات، وطبعا لعلك تعلم أن علم الزمن يتم تدريسه في الجامعات بطريقة أخرى، فما أن يخرج طلبة الإخوان في المظاهرات اليومية حتى يختبىء وزير التعليم العالي تحت مكتبه بسرعة الفيمتو ثانية.
كاد صبر النار أن ينفد وزامت وتحرك لهيبها نحوي فكدت أن أثب جاريا مستنجدا إلا أنني سمعتها وهي تقول: أينشتين وصل إلى خيط من خيوط علوم العقل ولكن العلم الذي أحدثك عنه هو علم القلوب... سأتحملك من أجل إصلاح حال المسلمين والمصريين... هه استعد... ستذهب إلى المستقبل القريب وستقابل هناك رجلين شيخين سيتوه عقلك عندما تتعرف عليهما.
قلت في نفسي: يتوه عقلي !! من هذين الرجلين ؟ يبدو أنني سأجن.. وعلى حين غرة تلاشى صوت النار ثم تلاشت صورتها وغبت عن الوعي زمنا فلا أعرف كم من الوقت مضى وأنا على حال الغياب وعندما عاد لي وعيى وجدتني في مكان غريب يسوده الظلام، فأخذت أبربش بعيني وأفركها لعلي أرى بصيصا من الضوء، وعندما اعتادت عيني على الظلام أخذت أرى أشباحا تروح وتجيء، ثم وجدت من يمسك ذراعي ويجذبني فقمت معه واقفا وسألته: من أنت وأين أنا؟
قال الرجل الغريب: أنت في غرفة جانبية ملحقة بالقاعة الكبرى لأهل الحل والعقد.
أصابتني الدهشة وقلت: حل ! عقد ! أأنا في مصر ؟
قال الرجل: أنت مسكين، يبدو أن الضربة أثرت على عقلك، أنا يا رجل أعمل حكيما مداويا، وقد استدعوني لأنك حاولت الانتحار وألقيت نفسك من فوق سور المجلس الأعلى لأهل الحل والعقد.
استمرت دهشتي وقلت: سور ! وكم ارتفاع هذا السور ؟
قال الحكيم المداوي: عدة قصبات توازي بالحساب القديم مترين.
قلت: وهل ينتحر أحد بإلقاء نفسه من فوق سور ارتفاعه مترين ؟!
قال الحكيم المداوي: يحدث هذا أحيانا وقد رأينا حالات انتحار غريبة فقد ألقى رجل نفسه منذ أيام من فوق سجادة مجلس علماء الأمة.
تدلى لساني من فمي وقلت: انتحر من فوق السجادة !!
قال الحكيم: نعم سألهم في مسألة شرعية، وعندما أجابوه أسرع وألقى نفسه من فوق السجادة التي في الردهة الرئيسية فمات منتحرا.
توقفت عند ألفاظ الرجل وقلت له: مالي أرى ألفاظك غريبة ومتقعرة.
همس في أذني: لا ترفع صوتك، إنهم يلزموننا بتعلم لغة أهل السلف وتعبيراتهم.
قلت له: ومن هم أولئك الذين يلزمونكم بذلك ؟!
قال الرجل: يبدو أنك وقعت على رأسك فتأثرت ذاكرتك، يا رجل نحن في مصر، وحكامنا هم علماء السلفيين، الرئيس الأعلى للدولة اسمه «الخليفة» ويشغل هذا الموقع الشيخ العلامة والحبر الفهامة أبو إسحاق الحويني، أما رئيس الدولة التنفيذي فمسمى وظيفته هو رئيس الدواوين، وهو الشيخ محمد حسين يعقوب، ويليهم في الترتيب الوظيفي نائب رئيس الدواوين، وهو يقوم بالإشراف على الدواوين وينفذ قرارات الجهات العليا.
سألته: ومن هو ؟
قال: الدكتور كمال الجنزوري.
وهنا كدت أن أقع مغشيا عليَّ، ولكن الحكيم المداوي أعطاني جرعة ماء، وما أن أخذت نفسا عميقا حتى ثبتت قدمايَّ على الأرض، فقلت للحكيم: يا سيدنا، هل لا يزال الجنزوري على قيد الحياة !! ألا يوجد غيره؟
قال الحكيم بثقة: نعم يوجد غيره.
قلت له: من ؟
قال: الدكتور الببلاوي، ولكن كل واحد منهما أطلق لحيته وفقا لأوامر الدولة السلفية.
قلت: أريد أن أتعرف على تلك الدولة السلفية أيها الحكيم المداوي.
قال لي: والله يا أخي على الرحب والسعة ولكن الخليفة أبو إسحاق الحويني طلب مقابلتك للوقوف على شأنك، لذلك سأذهب بك إليه أولا، فإن عفا عنك سأصطحبك في الجولة، وإلا قل على نفسك يا رحمن يا رحيم.
وذهب بي الحكيم إلى الخليفة فرأيت ما لم يرد على خاطري في يوم من الأيام... لقد رأيت المعجزة، فانتظروني في الحلقة القادمة لتعرفوا باقي قصتي وقصة السلفيين إذ وصلوا للحكم.
الجريدة الرسمية