رئيس التحرير
عصام كامل

الجنيه المصري بـ 5 يورو


الأمان في الوطن لا يعني أكثر من رغيف خبز وشربة ماء هنيئة، و"هدمة" ساترة، وحبة أسبرين ـ كناية عن الدواء الموجه ضد المرض، كي تكتمل رباعية المأكل والمشرب والملبس، والعلاج.


والتصريح الذي صدر في صحف أمس الأربعاء، على لسان الدكتور أيمن فريد أبو حديد وزير الزراعة، بتحديد سعر أردب القمح هذا العام بـ 420 جنيها، بزيادة قدرها 20 جنيها عن العام الماضي، يشير إلى أن رغيف العيش في مصر سوف يستعيد ملامحه المصرية الخالصة، خلال أعوام قليلة مقبلة، شرط أن تتجاوز مصر أزمة سد النهضة، مع توافر نظام حكم رشيد أيضا، يتطلع المصريون إليه بعد أكثر من 33 عاما من العذاب.

الزيادة في إنتاجية القمح المصري كانت مرهونة في الأعوام التي سبقت ثورة 25 يناير 2011، بتوافر: زيادة المساحة المزروعة وزيادة إنتاجية الفدان، وبدا أن أيدي مصر كانت مغلولة في العنصر الأول بقرار سياسي أمريكي، جعل من ملف القمح لغما، انفجر مع غيره من الألغام في وجه حسني مبارك وحاشيته.

وبعد ثورة 25 يناير، لعبت حكومة الإخوان على وتر تقليص الفجوة القمحية في مصر والتي بلغت 51.2% عام 2011، فورطت الرئيس المعزول بوضع رغيف الخبز في صدارة ملفاته الخمس التي وعد بإنهاء مشاكلها، مستندا إلى المعلومات التي توافرت ساعتها بإمكانية زيادة المساحة المزروعة من القمح، في ظل الرضاء الأمريكي بوصولهم إلى الحكم.

وخلال العام الذي حكمه الإخوان، نعمت مصر فعلا بتحقيق قفزة في إنتاج السلعة الإستراتيجية الأولى في 2013، حيث بلغ حجم المحصول 9.5 ملايين طن، بزيادة قدرها 0.8 مليون طن عن محصول 2012، وعلى الرغم من ذلك لم تنخفض الفجوة الاستهلاكية التي حافظت على حجمها بعشرة ملايين طن، نتيجة فشل منطومة الإنتاج والتوزيع، وفشل محاصرة تجار الدقيق المدعم أيضا.

ومع الإنتاجية المثالية في موسم 2014، تحتاج حكومة محلب الحالية، لإحكام خطة الإنتاج والتوزيع، ومحاصرة التجار الذين حققوا أرباحا بالملايين من بيع الدقيق المدعم في السوق السوداء، ليتنافس رغيفان جهارا نهارا، أولهما بخمسة قروش وغير صالح للاستهلاك الآدمي، وصعب المنال، وثانيهما بـ 25 قرشا، ويساوي ربع الحجم القانوني.

الموسم الذي يبدأ خلال الأيام القليلة المقبلة، يبشر بالخير، شرط توافر رؤى سليمة، تراعي الرقابة على المخابز، ووضع تشريعات لتغليظ عقوبات بيع الدقيق المدعم.

وللعلم، فإن رغيف الخبز المصري المدعم، هو السلعة العينية الوحيدة، التي تثبت أن الجنيه المصري يساوي خمسة ريـالات سعودية، لأن مصر هي الدولة الوحيدة على مستوى العالم، التي تبيع 20 رغيفا بجنيه واحد، فيما تباع الكمية نفسها من الوزن ذاته بخمسة ريـالات في السعودية.

فإذا علمنا أن السعودية أيضا تدعم الخبز، كأحد السلع الإستراتيجية الرئيسية، وإذا خرجنا إلى المستوى الأوربي، لوجدنا أن الأرغفة العشرين من الوزن ذاته في أي دولة أوربية، تباع بخمسة يورو.

ومع تقدير حجم المشكلة التي تلاقيها أي حكومة مصرية في رفع سعر الرغيف المدعم، يجب التنويه إلى أن هذا الدعم الموجه لفئة بعينها من محدودي الدخل في مصر، يتحول إلى خزائن تجار الدقيق، حيث تبيع الحكومة "شيكارة" الدقيق المدعم بـ 12 جنيها للمخابز الحكومية، فيبيعها البعض بـ 120 جنيها، ليتحول دعم الرغيف إلى ملايين في خزائن معدومي الضمير.

غاية المراد من رئيس مصر القادم، أن يعيد الملامح المصرية ولو بنسبة تزيد على 70 % للرغيف المصري، بعد أن عانى كثيرا من الغربة طوال الأعوام العشرين التي سبقت ثورة 25 يناير 2011، وهذا لن يتم إلا بتضييق الفجوة الغذائية في مجال القمح بالذات، وهذا يحتاج إلى سياسة رشيدة وقوية في التعامل مع ملف سد النهضة الإثيوبي، الذي سيحرم مصر من أكثر من 25 % من حصتها المائية من نهر النيل.
barghoty@yahoo.com
الجريدة الرسمية