رئيس التحرير
عصام كامل

خطايا هشام زعزوع


كنت أتصور أنه لو جاء إلى موقع المسئولية سيقوم بدور مختلف.. إلا أنه عندما جاء إلى موقعه لم يقدم جديدا، بل إنه يعود بسيارة السياحة إلى الخلف.


ظلت مخيلتي لسنوات ترسم ملامح شيطانية كلما ذكر اسم أمريكا، وكنت أتصور أن المواطن الأمريكي قاتل بطبعه، شرير بالسريرة، دموي بالسليقة، عدوانى بالنشأة، إلى أن زرت هذه البلاد، ومكثت فيها قرابة الشهر، تعاملت خلالها مع مواطنين في المقاهي، وفى المطاعم، وفي البيوت، فأدركت بحكم العشرة القصيرة أن الشعب الأمريكي طيب، وودود، وجل مشكلته أنه مختطف من الساسة، ومن جماعات الضغط، أيقنت أن المواطن الأمريكي محتل من الميديا، وأنه واقع تحت نير اغتصاب لإرادته وعقله، وكل ذلك لأنه ببساطة يذوب في محليته، ولا يعرف أن على الكرة الأرضية شعوبا أخرى، تعانى من تخريب، وتدمير، وتقتيل، هو دافع دولاراته فأصبح قاتلا رغم أنفه.

أقول ذلك من باب إيمانى المطلق أن السياحة ليست مسافرا مقيما في فندق، منفقا أمواله في المطاعم، والنوادى، وعلى الشواطئ.. السائح أهم حلقة في سلسلة التواصل الحضارى، وما تقوم به السياحة أهم بكثير مما تقوم به المؤتمرات، والندوات، والمعاهدات، والتحالفات، لأنها احتكاك شعوب، والتقاء حضارات، وتفاهم إنسانى أرقى من لغة الساسة ورجال الدولة.

أتذكر هذا بعد ما قال لى صديق كان مشاركا في بورصة موسكو، عندما سأله مسئول إحدى شركات السياحة الروسية عن المساعدات التي يمكن لمصر تقديمها لهم من أجل زيادة التوافد السياحى إلى القاهرة؛ فكان رد الرجل الروسي بسيطا «انشروا حتى ولو إعلانا واحدا عن بلادكم يساعدنا في ترويج منتجكم السياحى».

الطريف أن هشام زعزوع وزير السياحة واحد من أبناء القطاع، أي أنه ليس مستوردا من لجنة سياسات جمال مبارك، وليس هاويا، أو ناشطا سياسيا يهتم بالهتافات والشعارات، وهو ليس ضمن فريق الأخونة الذي ساد البلاد طوال الفترة الماضية، كما أنه ليس ضمن فريق التكفير الذي يرى أن السياحة حرام، رغم أن هذا الفريق تاب وأناب وآمن أن السياحة ضرورة اقتصادية مهمة.

وهشام زعزوع واحد ممن مارسوا العمل السياحى كواحد من هذا القطاع، وعانى مثل غيره من الروتين الحكومي الممل، وطالب بحل مشاكله على مدى سنوات كنت خلالها رئيسا لتحرير مجلة "أخبار السياحة"، وكنت أتصور أنه لو جاء إلى موقع المسئولية سيقوم بدور مختلف.. كنت وكنت وكنت ومع ذلك فالرجل عندما جاء إلى موقعه لم يقدم جديدا، بل إنه يعود بسيارة السياحة إلى الخلف، ولا تزال خزينة وزارته تمتلك قرابة الخمسين مليون دولار لم ينشر من خلالها إعلان في السوق السياحية الروسية ولو بعشرة دولارات.. تصوروا!!

والمدهش أننا لم يعد لدينا بعد الحظر الأوربى إلا ثلاث أسواق: السوق الإنجليزية، والسوق الروسية، والسوق الأوكرانية، وبدلا من أن نركز حملاتنا على هذه الأسواق أهملناها، ولم نقدم جديدا في الأسواق التي هجرت منتجنا السياحى، بسبب سياسي أو فنى، وكأن الوزير مجرد هاوٍ لا يعرف دوره الحقيقي كرجل سياحة بالدرجة الأولى.

ولم يكن إهمال الأسواق السياحية الثلاث أهم خطايا الوزير وإنما زاد الطين بلة، عندما قرر بشكل عشوائى ودون دراسة تبعيات قراره إغلاق فندقين بشرم الشيخ، هما الفندقان اللذان اتهم عاملان بهما بالتحرش الجنسى بسائحات، وعلي الفور صعد إلى أذهان العامة قبل الخاصة أنك إذا أردت إغلاق منشأة سياحية؛ فلتدفع رشوة لأحد عمالها ليتحرش، ولو بالنظر بسائحة، فيكون الجزاء صدور قرار من الوزير بالإغلاق.

لم يتبادر إلى ذهن الوزير أن العقاب جماعى، وأن المستثمر الذي يعمل في هذا القطاع أصبح رهين أحد عماله، وأن ما حدث لا يقل خطورة عن المصادرة في العصر الناصرى، وأن دعوته للاستثمار الأجنبى في هذا القطاع تصبح ضربا من الخيال، بعد واقعة إغلاق الفندقين، خاصة أن ما فعله الوزير يشبه إلى حد كبير نكتة خارج سياق الأدب، تتحدث عن رجل أراد إيذاء زوجته … وكأنه تقمص دور الرجل القاسي الذي يردد دوما أنه لو تألم من أصبع يده فإنه يقطعه ولا يعالجه!!

الخطيئة الثالثة للوزير ابن القطاع أن لغطا يدور حول إقرار الحد الأدنى في القطاع الخاص، وضمنه القطاع السياحي بالطبع رغم خصوصية هذا القطاع؛ فالقطاع السياحي مثل الصيد يتأثر بعديد الظروف، وبالمناخ السائد ليس في البلد وحده بل قد يتأثر بظروف المنطقة كلها، والوزير يعلم مثلنا الظروف التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط وفي القلب منها مصر، إضافة إلى أن خصوصية هذا القطاع كانت تفرض على الوزير إثارة هذه القضية ومناقشتها باستفاضة مع أبنائه، خاصة أن هناك الـ ١٢٪ التي يحصل عليها العاملون بالقطاع، مما يجعل التطبيق دون النظر إليها هو بمثابة خطوة تعجيزية للمستثمرين فيه مما يهدد الصناعة نفسها.

وأخيرا كان من الممكن أن يكون حديثنا إضافة لو أن زعزوع لا ينتمى إلى القطاع، أما أنه واحد منه، فإن إثارة مثل هذه القضايا إنما تذكرة ليس إلا.. وعلى الوزير أن يضطلع بمسئولياته مهما كان الثمن لطمأنة الناس والتصرف بديناميكية والتحرك سريعا لإنقاذ واحدة من أهم صناعاتنا الوطنية.
الجريدة الرسمية