رئيس التحرير
عصام كامل

الحالة..أوفر جدا!!


منذ اندلعت ثورة يناير وكل شيء في هذا الوطن (أوفر جدا !!).. كل سلوكياتنا وتصرفاتنا وحوارنا وآرائنا واختلافنا وأولوياتنا وأحكامنا على الأمور وانحيازنا وتطلعاتنا وطرح حلولنا للمشاكل وكرهنا وحبنا وعلاقاتنا مع بعضنا البعض وتعدينا على الحقوق واغتصابها.. كل هذا كان يتم ومازال بشكل مبالغ فيه (أوفر جدا) !!


عندما مارسنا الحرية حولناها إلى فوضي فلم يعد هناك خصوصية للحرية الشخصية وصار الحديث عن الحرية المسئولة التي لا تتجاوز حرية الآخر هو نوع من التخلف والردة عن مكتسبات الثورة وخيانة لأهدافها، وعندما مارسنا الديمقراطية حولناها إلى ديكتاتورية وفاشية قميئة فلا قبول للآخر ولا إنصات لرأي الآخر ولا تنازل في إطار الحوار ولا تراجع عن الرأي مهما كانت هناك آراء أخرى، وعندما مارسنا الانضباط حولناه إلى انفلات في الشارع والميدان والمدرسة والجامعة ومكان العمل تحت شعار الحرية باعتبارها أهم منجزات الثورة ومكاسبها وصارت البلطجة عنوانا والبلطجي رمزا والقوة هي القانون فتسيد المشهد (قانون القوة) وغابت عن المشهد (قوة القانون) !

لم يكن يجرؤ أحد على مناقشة أحد من هؤلاء الذين أمموا الثورة واحتكروها لأنفسهم فصاروا منها وصارت منهم فانفلتت ألسنتهم تقول ما تشاء في أي وقت تشاء وعلي من تشاء، وإذا حدث وقال البعض شيئا من نقد لهم علقوهم على المشانق في الميادين وجرسوهم على الفضائيات التي كانت تلهث وراءهم من مقدمي برامج ظهرت على وجوههم كل ألوان الطيف وتلونوا كما تتلون الحرباء وكما يفعل مهرج السيرك؛ لأن كل شيء كان أكثر من اللازم ( أوفر جدا) سارت الحياة على هذا النهج وتحولت إلى عادة كما تحول الكذب عند الإخوان من عادة إلى عبادة مستغلين تلك الحالة التي يعيشها الشعب بعد ثورة سيكتب عنها التاريخ يوما ما يجب كتابته بعيدا عن رؤية المنتصر والمهزوم فيها، وسيكتشف الأحفاد حين يقرأون الحقيقة تلك الخديعة الكبرى التي وقع فيها الآباء بعضهم بقصد والبعض الآخر بلا قصد !!

يستمر المسلسل ونصل معه إلى (الماستر سين ) أو المشهد الرئيس في الرواية وهو انتخابات الرئاسة فنجد أنفسنا أمام مرشح طلب منه الشعب نزول الانتخابات ليكون رئيسا للجمهورية - في هذا الوقت العصيب الذي يواجه فيه الوطن تحديات غير مسبوقة في تاريخه المعاصر من إرهاب محلي وإقليمي ودولي ومن مخطط كبير لتقسيمه أو تركيع إرادته الوطنية - بشكل غير مسبوق لالتفاف إرادة شعبية بمثل هذه الكثافة حول مرشح، ونجد أنفسنا أمام مرشح آخر خاض سباق الرئاسة السابق ولم يحالفه الحظ وهو يحظي ببعض الجماهيرية التي تجعله قادرا على مواصلة السباق وتحقيق نسبة أصوات لا بأس بها اعتمادا على تجربته السابقة..

وفي تقديري أن هذين المرشحين هما من سيكملان السباق حتى النهاية فالأول له شعبية كاسحة طلبت منه نزول السباق والثاني نزل السباق بخلفيته السابقة ودعم أنصار له ولم يقدم أي منهما أوراق ترشحه حتى الآن ومع ذلك الحملات سواء الرسمية أو غير الرسمية (مأفورة الدنيا) بلا مبرر ولا تعبر عن اللحظة التاريخية التي تعيشها مصر فنجد التلاسن والتلميحات والإسقاطات التي تسيء للعملية الانتخابية أكثر مما تسيء للأشخاص فمن يسب ومن يخرج لسانه ثم يعتذر ومن يردد مصطلحات تثير الفتنة وتزيد الانقسام ومن يتحدث عن مرشحه الذي لا يشق له غبار ولا تجف له مياه ولا تنطفئ له نار ومن يتحدث عن مرشح قاوم الفساد طوال 40 سنة وهو بذلك يصبح رئيس الضرورة، ومن يتحدث عن مرشح يملك عصا موسي ومن يتحدث عن خلفية مدنية وأخري عسكرية ويترك الأهم كيف نواجه مشاكل الوطن وكيف يعود قويا عفيا ناهضا..!!

المطلوب 25 ألف توكيل أو إقرار للمرشح الرئاسي ومع ذلك السباق مستمر والمعركة دائرة رغم أن هذه الإقرارات لن تدخل في حساب أصوات الصندوق.. كل شيء أوفر جدا حتى ولو لم نعترف بذلك، مازلنا نحبو في ( كي جي وان ) ديمقراطية !
الجريدة الرسمية