رئيس التحرير
عصام كامل

شعرة المومياء المفقودة!


في عام ١٩٧٨ أعلن السادة الأثريون أن مومياء الملك رمسيس الثانى المعروضة في المتحف المصرى تعانى من إصابتها ببعض أنواع البكتيريا التي أثرت في أنسجتها بسبب سوء ظروف العرض الذي ربما أصابها بعدوى من السادة الزائرين الأحياء!


وأثير وقتها عجز المختصين المصريين عن علاجها والحفاظ عليها، فعرض السادة الفرنسيون أحفاد شامبليون علاجها والتخلص من تلك البكتيريا اللعينة، واستصدروا موافقة رسمية لأخذها إلى باريس من الرئيس السادات شخصيًا، الأمر الذي أحدث وقتها ضجة إعلامية، وبسرعة ملحوظة تم شحن المومياء إلى باريس، حيث تم استقبالها بحفاوة استقبال الملوك، ثم هرعوا بها إلى صالات المعامل والأبحاث، حيث كانت تنتظرها فرق متكاملة من العلماء والباحثين، لقد كانت تمثل لهم قيمةً علمية كبرى، ليس لكونها مومياء لملك مصرى قديم ولكن بما يحويه جسده من أسرار علمية ومنظومة معرفية كيميائية وعضوية وبيئية.

فعن طريق تحليل الصبغة الحمراء لشعرة منزوعة من المومياء الذي لم يتغير لونها منذ آلاف السنين تم التوصل لتركيبتها الفريدة التي استخدمتها بعد ذلك كبرى الشركات الفرنسية لمستحضرات التجميل وأنتجت الصبغة الفرنسية الشهيرة لتكسب المليارات من الدولارات وما زالت تجنى أرباحها حتى وقتنا هذا، وكذلك تم اكتشاف نوعية من أوراق النباتات التي وجدت داخل المومياء تتيح لبكتيريا فريدة من نوعها التكاثر عليها لتفرز مادة حافظة للأنسجة، وتلقفتها الشركات المنتجة للأغذية واللحوم المحفوظة لاستخدامها لإطالة أمد الحفظ لمنتجاتها، وتم رصد نسبة التلوث بالرصاص والإشعاع وكل الملوثات الأخرى المترسبة بعظام المومياء لمعرفة قدر التغيير في الملوثات البيئية منذ ثلاثة آلاف سنة وحتى الآن، وبغض النظر عن الدراسات الچينية التي خضعت لها المومياء لمعرفة أصلها التاريخى فإن الجائزة الكبرى للعلماء الفرنسيين كانت هي كل تلك المعارف العلمية والتكنولوچية التي استخلصوها من المومياء التي كانت قابعة في المتحف المصرى لغرض الزيارة والفرجة !

وأعاد السادة الفرنسيون المومياء إلى مصر تنقص شعرة من رأسها !! بعد أن استخلصوا منها القيمة المعرفية الكاملة التي استخدموها في مجالات تكنولوچية وصناعية كثيرة، وأسهمت في دعم وتنمية الاقتصاد الفرنسى، ولن أحدثكم أيضًا عما تعلمه الإيطاليون من فن صياغة الحلى الذهبية من مجموعة توت عنخ آمون، ولا عما تعلموه وغيرهم من فن صناعة الأثاث الخشبى المصرى القديم وغيرها الكثير، أما نحن فلا نزال نعتبر الآثار مفهومًا متحفيًا لمجرد التسالى والفرجة، ولم نتعلم من الأجداد شيئًا من علمهم وتقنياتهم التي سادوا بها منذ آلاف السنين.

نحن نملك من تراثنا القيمة والجوهر ونستطيع أن نوظفه لو أحسنا استخدامه بواسطة الأكفاء، حتى لا نكون كقول الشاعر:
كالعير في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول !!
الجريدة الرسمية