رئيس التحرير
عصام كامل

فلتسقط توجيهات الرئيس


ـ مؤخرًا ظهر كتاب مهم في أمريكا عنوانه «لماذا تفشل الدول» لمؤلفيه البروفيسور دارون اسموجلى والبروفيسور جيمس روبنسون، وهما اقتصاديان بارزان في جامعة هارفارد، وهى من أعرق الجامعات الأمريكية.. الكتاب عبارة عن دراسة استغرق إعدادها خمسة عشر عامًا للإجابة بالأساس عن سؤال بسيط وصعب في نفس الوقت.. وهو لماذا تفشل بعض الدول في تحقيق التنمية الاقتصادية والرفاهية والتقدم لشعوبها بينما تنجح دول أخرى في تحقيق هذا الهدف ؟


يبحث الكتاب بعمق تحليلى وتاريخى هذه الظاهرة منذ الإمبراطورية الرومانية وأوربا القديمة وحتى وقتنا الحالى ويغطى معظم أنحاء العالم، وهو يجيب عن أسئلة مهمة عن احتمالات أفول نجم الولايات المتحدة، وسيادة الصين للعالم، بيد أن السؤالين اللذين وقفت عندهما كى اقترب من فهم الحالة المصرية بمعايير ذلك الكتاب المهم هما:
ما سبل انتشال ملايين البشر في الدول المتخلفة من دائرة الفقر الجهنمية ؟
هل التخلف مشكلة ثقافية ؟..أم مشكلة مناخية وجغرافية؟

الكتاب ينفى الاحتمال الأخير، والدليل أن دولًا صغيرة المساحة وتعانى من ظروف جغرافية قاسية مثل سويسرا واليابان، نجحتا في أن تكونا من أغنى دول العالم وهما بلا موارد طبيعية تقريبًا.. بينما تفشل دول مترامية وغنية بمواردها مثل زيمبابوى أو الكونغو في إنقاذ شعوبها من مهانة الفقر والامتهان.

باختصار شديد الكتاب يخلُص إلى نتيجة مهمة جدًا.. وهى أن فشل الدول عبر التاريخ يرجع بالأساس إلى ضعف مؤسساتها السياسية وفشلها في القيام بالوظائف المناطة بها.. ومن ثم فإن المشكلة لم تكن أبدًا مسألة موارد أو مناخ أو ثقافة وإن كان لهذه المعطيات تأثير بالفعل.. ولكن عامل القيادة أو الإدارة أكثر أهمية وأشد أثرًا.

ولو أننا أخذنا مصر كحالة عملية لاختبار هذه المقاربة طوال الثلاثة عقود الأخيرة، لوجدنا أن كل مؤسسات الدولة (باستثناء المؤسسة العسكرية) كانت تتسم بالضعف الشديد، مما أدى إلى فشلها في القيام بمسئولياتها، فتحولت مصر إلى ما يشبه العِزَب أو الإقطاعيات، وهو ما يعنى بالضرورة ضعف منظومة الدولة، وغلبة روح العشوائية والانتهازية واللا مبالاة في معظم أرجائها.

إن من يمعن النظر في الأحوال طوال الفترة المشار إليها.. يجد سلطة تنفيذية مهترئة، يقودها عادة رئيس حكومة ضعيف لا يتمتع بأى ثقل سياسي.. أما أعضاء الحكومة أو ما يسمون «الوزراء»، فقد فقدوا القدرة على الإبداع، والدليل أنهم كانوا يبدءون أي تصريح لهم بعبارة «بناء على توجيهات السيد الرئيس».. فمتى تختفى تلك العبارة من قاموس الوزراء؟
الجريدة الرسمية