رئيس التحرير
عصام كامل

مقعد سوريا.. حائرًا !


هي قصة مقعد أضحى يعاير بين أقرانه من المقاعد في جلساتهم الخاصة بأنه منذ ما يزيد على العامين لا يزال بدون صاحب يعتني به، ويجلس عليه كعادة "المقاعد" التي تعيش حياتها فقط لهذا الاستخدام، وما أن يهجرها الناس حتى تكهن وتعدم، ولا يصبح لها وجود على الأرض.

هي قصة بعيدة عن الفانتازيا، فقد يستشعر الجماد ما يعجز البشر عن استشعاره في عالم لم يعد يلق بالا بالدماء التي تراق من أجل تشبس بكرسي أو حكم زائل طال الوقت أو قصر.. ( لو دام لغيرك لما وصل إليك) كلمة لمحتها مساء أمس مخطوطة بشكل واضح على باب إحدى الوزرارت الكويتية، خلال جولة مسائية في مدينة الكويت لمشاهدة معالم المدينة من وجهة نظر أخرى، فلكل قصته التي يحكيها بخلاف الآخر.. "لو دام لغيرك ما وصل إليك" ماذا لو وعيها الجميع.. ماذا لو اتخذها قادة الصراع وأمراء الحرب في سوريا مأخذ الجد؟! 

بالتأكيد وقتها لم يكن السوريون ليعانوا كل هذه المعاناة، لم يكن شلالات الدماء التي سالت، لتخضب أرض سوريا استمرت في التدفق.

أزمة "سوريا" وأزمة دول الربيع العربي كان مقعدا ظل لعقد قابعا تحت سلطة رجل أوحد، عمل على توريثه، ومعه شعب، فالتركة سيكون "كرسي" مريح، وخيرات، وشعوب يفعل بها ما تريد ولن تعترض أو تبدي أي استياء، أو هكذا تخيلوا، في ظل قبضة أمنية حديدية استطاعت أن تلجم أفواه الجميع.

هذه قصة أزمة "عروش الحكم العربية"، عروش كثيرة مقاعد عديدة، والمحصلة شعوب غارقة في الظلم والجهل والتخلف، شعوب ترجع "سيارتها دوما إلى الخلف".

ومن عروش الحكم إلى عرش آخر مرتبط بالحكم أيضا وإن كان وبرغم رمزيته وقلة تأثيره فإنه يلقى نفس المعاملة، "مقعد سوريا لدى جامعة الدول العربية" الذي ظل حائرا على مدى عام، منذ أعلن تسليمه للمعارضة السورية ممثلة في الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية في القمة العربية الـ24 والتي عقدت بالدوحة، حيث جلس لأول وآخر مرة الشيخ معاذ الخطيب، رئيس الائتلاف وقتها على مقعد سوريا، وصدر القرار بتسليم المقعد للائتلاف، لكن وبرغم ذلك ظل المقعد معطلا والمشاركة معطلة، وليس هذا فحسب لكن ظل علم سوريا الأسد كما هو لم يتغير، مرفوعا إلى جوار أعلام الدول العربية الأخرى، بانتظار كلمة النهاية فإما ينتهي أمره للأبد ويرفرف بدلا منه علم سوريا - الثورة، أو يكسب مع "بشار الأسد" ومن خلفه التحدي ويستمر.

الأزمة السورية الآن أصبحت في مفترق طرق، كلها بالتأكيد لن تؤدي إلى سوريا بالخير، فللأسف ضاعت سوريا وشعبها بين أصحاب المصالح والباحثين عن مغانم بعيدا عن مصلحة الوطن، فكافة الأطراف تبحث لها عن دور، والمعارضة منقسمة على نفسها، ومن تقسيم إلى تقسيمات أدت في النهاية إلى تعطيل حتى القرار العربي بتسليم مقعد سوريا للائتلاف الوطني السوري والذي كان سيقدم له خلال هذه القمة، إلا أن موقف لهيئة التنسيق السورية يقال بأنه السبب في هذا التعطيل، وإن كان لم يتم الإعلان عنه من قبل الجامعة العربية بشكل مباشر، إلا أن مصادر داخل الائتلاف السوري كانت قد أكدت ذلك، بل وقالت بأن هناك اتصالات جرت مع الجامعة العربية وطلبت من الائتلاف الحوار مع هيئة التنسيق للوصول إلى حل ولضمهم إلى لواء الائتلاف حتى لا يعطل ذلك تسليم المعقد.

الأمر لم يقف عند هذا فحسب لكن التقدم الذي يجنيه نظام الأسد، ومن يحاربون بالوكالة عنه في سوريا عادة ما يضع "الجامعة العربية" في مأزق من اتخاذ قرار وتنفيذه أو الرجوع إلى نقطة الصفر، وهذا ما يبدو واضحا هذه المرة في ظل التراجع عن تسليم المقعد لسوريا بعد تأكيدات مختلفة من جانب نافذين في العمل العربي المشترك لقادة الائتلاف بأن المقعد غدا لهم، ولم يبق إلا التسليم في قمة الكويت.

واليوم يصرح الأمين العام لجامعة الدول العربية ويؤكد على أن مقعد سوريا للائتلاف لكنه لن يتسلمه خلال هذه القمة، ويقف مسئولون في الجامعة ليؤكدوا على أن تسليم الائتلاف للمقعد يتطلب شروطا لم تتوافر حتى الآن، في حين تدفع المملكة السعودية بمفردها تجاه تسليم مقعد سوريا.

ويبدو أن المملكة السعودية ستكون الرابح الأكبر في هذا التحدي برغم الرفض الساحق للعرب إلا أنه على ما يبدو أن تأجيل البت في هذا الأمر من قبل المندوبين وكبار المسئولين، وإرجاءه إلى وزراء الخارجية للبت فيه قد يكون مؤشرا لموقف جديد، خاصة أنه لم تمض سوى أيام منذ آخر اجتماع لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، والذي عقد بالقاهرة في 9 مارس الحالي والذي أنهى الحديث عن هذا الملف بتأكيد على أن تسليم المقعد يحتاج لأمور لم تتم، وبرغم ذلك يعود موضوع "مقعد سوريا" إلى النقاش فيما بين الوزراء العرب من جديد لرفعه على القادة العرب.

وبالرغم من تحديد أن "أحمد الجربا" رئيس الائتلاف سيلقي الكلمة الرابعة في القمة العربية بحضور القادة العرب، إلا أنه على ما يبدو ستكون هناك مفاجأة تمتص الغضب العربي - العربي وتبعد أزمة الخلافات الخليجية - القطرية، والمصرية- القطرية عن سطح الاهتمامات العربية. 
الجريدة الرسمية