رئيس التحرير
عصام كامل

فضيحة بلدى


بعيدا عن تشويش "البرنامج" وترشح "السيسي" وإرهاب "الإخوان" وإغراء "صافيناز" وفضائح "زينة"، أحكى هذه الواقعة البسيطة لأنها تعد مؤشرا على مستنقع الفوضى الذي تغرق فيه مصر الآن، يوم الجمعة الماضي وفى "الكومباوند" السكنى الذي أعيش فيه، قرر أحد البوابين أن يفرح بابنه العريس على طريقته، فقام "بمزاجه وبكيفه" بتركيب ميكروفونات في قطعة أرض فضاء لا يعرف صاحبها أصلا، وبدأ في تشغيل أغانى بلدى صاخبة مصحوبة بإطلاق الأعيرة النارية من الساعة 6 مساء، كان الصوت مزعجا وصاخبا إلا أن أحدا من سكان الشوارع المحيطة بالأرض المقام عليها الفرح لم يكن يستطيع أن يمارس حياته، أو التحدث في الهاتف أو النوم أو حتى التحدث مع أحد أفراد أسرته.


توقعنا أن يكون عند البواب قليل من الدم ويراعى ظروف المرضى وتلاميذ المدارس وأصحاب الأشغال الذين يستيقظون مبكرا وينهى هذا الصخب والضجيج والإزعاج عند العاشرة أو الحادية عشرة، لكن ذلك لم يحدث.

مرت الدقائق كالدهر، وعند الحادية عشرة ووسط حالة الاستياء والغليان والترقب وحرق الدم والانفعال، اجتمعنا نحن الجيران والسكان المتضررين من الصوت الصاخب، وبدأنا التفكير في النزول وتوجيه اللوم إلى البواب وإجباره على إغلاق الميكروفونات.

غير أن بعض الجيران استمرأ الكسل وتجنب الصدام والانفعال وآثر السلامة، بل وحذرنا من مخاطر النزول التي قد يكون من بينها تطور الأمر إلى مشادة كلامية قد تقود إلى تهور صاحب الفرح " الصعيدى" وإطلاقه النار على من يذهب منا، ومن كوميديا هذا الموقف السوداء أننا عشنا حالة أشبه بحالة حسن حسنى في فيلم "الفرح" عندما كانت زوجته في الفيلم مى كساب تدفعه وتحفزه وتستفزه للنزول والشجار مع خالد الصاوى صاحب الليلة بسبب صوت الميكروفونات العالى، لكنه كلما اقترب من البلكونة وسمع صوت النار واستنشق رائحة البارود تراجع إلى داخل الشقة خوفا.

فيما اقترح البعض الآخر إبلاغ الشرطة، وبعد مداولات حول عدم جدوى هذه الخطوة اتصلنا برقم 122 وقدمنا بلاغا، وتلقينا إفادة بأنه سيتم إخطار قسم الشرطة التابع له منطقتنا، غير أن أحدا من الشرطة لم يأت، لأنها منشغلة في الأمن السياسي للبلد، وليس لديها وقت للأمن الجنائى، ورغم أن صوت الميكروفونات خفت عند الساعة الواحدة، إلا أن التوتر وحرق الدم والعصبية سيطر على الجميع إلى حد أن بعضنا لم يتمكن من النوم في تلك الليلة إلا قليلا.

ظاهرة "أفراح الميكروفونات حتى مطلع الفجر" لم تعد قاصرة على الأحياء الشعبية، وإنما امتدت - باعتبار الحرية والفوضى هي إحدى ثمار الثورتين العظيمتين - إلى أحياء يفترض أنها راقية وهادئة.

ورغم أن القانون في هذا الكومباوند يحظر إقامة محال أو الارتفاع بالمبانى في المناطق السكنية، أكثر من 4 أدوار، لكن المحال أصبحت أكثر من الشقق، والأدوار تعلو إلى 8 و9 و10 وتخرج لسانها في غيبة الشرطة والقانون.

أحد جيرانى قرر تقديم بلاغ للإدارة المختصة في المحافظة عن شخص شرع في بناء 4 أدوار مخالفة في عمارته التي تقع بجوارنا، لكن المسئولين قالوا له "لسنا مسئولين عن الإزالات، لأن مهندسينا يتعرضون للضرب والاعتداء والبلطجة من أصحاب هذه العمارات المخالفة، وعليك بالذهاب إلى قسم الشرطة الذي تتبعه لتنزل معك قوة مسلحة وتعاين المخالفة، عندها قرر هذا "الجار" أن يعتبر حسن حسنى مثله الأعلى ويحذو حذوه في فيلم "الفرح" وينسى الموضوع، رافعا شعار "هو أنا اللى حغيًر الكون" و"من خاف سلم".
الجريدة الرسمية