رئيس التحرير
عصام كامل

من "العثمنة" إلى "الأخونة"!!


من خلال قراءة سريعة فى أحداث العام الأول لتحول مصر للحكم العثمانى، ومقارنة ذلك بمحاولة سيطرة الإخوان على مفاصل الدولة ومقاومة فكرة العثمنة والأخونة، فإننا نجد الكثير من الأحداث المتشابهة، فقد ورث العثمانيون مصر تركة مثقلة بالمشاكل السياسية والاقتصادية والقضائية، وهذه المشاكل لا تجدى معها المسكنات، وبالتالى لابد من إحلال تلك المنظومة المتهالكة وتجديدها عبر منظومة حديثة يغلب عليها الصبغة العثمانية.

فعلى سبيل المثال حينما حاول العثمانيون السيطرة على المؤسسة القضائية، التى شهدت تدهورا كبيرا فى نهاية الدولة المملوكية وعانى القضاة من الاعتداءات والتداخل فى الاختصاصات، نجد العثمانيون عملوا على إدخال بعض التعديلات بهدف إصلاح تلك المؤسسة والسيطرة عليه، وذلك عن طريق تعيين قاضى عثمانى ليكون رقيبا على جميع قضاة مصر ونوابهم، بالإضافة إلى تحديد محكمة الصالحية كمقر للتقاضى ومنع النواب من ممارسة الأعمال القضائية إلا فيها، هذا إلى جانب تقليص صلاحيات وسلطات النواب المنتمين للنظام المملوكى القديم، ولإحكام السيطرة تم إرسال بعض القضاة إلى مقر الخلافة العثمانية (استانبول).
وقد أثارت تلك الإجراءات استياء المصريين، ونلمس ذلك بوضوح فى كتابات المؤرخين المعاصرين؛ فيذكر أحدهم أن تلك الإجراءات قد تسببت فى (كلفة زائدة ومشقة)، للمصريين بصفة عامة، أما الموالين للنظام القديم فقد وصفوا القاضى الذى عينه العثمانيون بأنه (أجهل من حمار.... ولا يدرى شيئا فى الأحكام الشرعية ويضيع على الناس حقوقها)، بينما كان رد المنتمين للمؤسسة القضائية كالتالى:
كان ابن عثمان مُذ جاء مصر مثل الضيف رحل وولى علينا صاحب حيف، ويبدو أن هذا الرفض والاعتراض يرجع إلى نظرة التقديس لكل ما هو قديم والتآلف معه، والخوف من كل جديد ينتج عن عملية التغيير، بالإضافة إلى تشابك المصالح مع القديم أحيانا، وبالرغم من ذلك فإن مؤسسة القضاء فى تلك الفترة اتسمت بالنزاهة وتفعيل مبدأ (لا أحد فوق القانون)، ولعب العلماء المصريون دور المراقبين على تلك المؤسسة ولم يسمحوا بالتلاعب فيها، وبالمقارنة نجد الأمر لا يختلف كثيرا عما يحدث الآن؛ فعقب فوز رئيس منتخب ينتمى لجماعة الإخوان زاد قلق الكثيرين وتردد مصطلح (أخونة الدولة)، ولكن ليس من الإنصاف ترديد هذا المصطلح دون أن نعى أمرين:
الأول: أن الأخونة تعنى تغيير شكل الدولة بصورة كاملة، وهذا يتم عن طريق خلق جيل ونشء ينتمى قلبا وقالبا لإيدلوجية معينة، الأم.
الثانى: أن من الديمقراطية أن يأتى الفائز بحزبه طوال مدة حكمه، وهو ما يحدث الآن على الساحة، وهذا لا يمكن تسميته بتغيير شكل الدولة، ولكنه سيطرة الحزب الفائز على المناصب العليا للدولة فى ضوء معنى الديمقراطية، وبالتالى فيجب على كل الفصائل والقوى السياسية أن تتكاتف لتكًون معارضة قوية يكون هدفها المصلحة العامة، وليس فقط إسقاط من يخالفها.
ولتكن كعلماء مصر فى العصر العثمانى حينما كوَنوا جبهة رقابة شديدة الوطأة على ممثلى العثمانيين، وإلا فإننا سنقدم للعالم نموذجا فى الجهل بمعنى الديمقراطية وكيفية ممارستها، وأن يعى الإخوان جيدا أن السيطرة على مفاصل الدولة سيؤدى حتما إلى انتشار الفساد، فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة كما يقولون، ويجب عليهم الخروج من عباءة أهل الثقة إلى عباءة أهل الخبرة والكفاءة، وأن يحافظوا على حياد واستقلال مؤسسات الدولة حتى نعبر من هذا النفق المظلم، وفى النهاية يجب أن نضع فى الاعتبار أن مسألة العثمنة أو الأخونة هى حق للنظام السياسى، أما تغيير شكل الدولة فليس من حق أى نظام، ويجب على الشعب مقاومته بالآليات التى تتيحها له النظم الديمقراطية.

الجريدة الرسمية