آفاق مستقبلية الكفاءة والالتزام
أثارت استقالة وزارة الدكتور "حازم الببلاوى" كثيرا من اللغط السياسي، ويشهد على ذلك أن إذاعة "الشرق" اتصلت بى من باريس لتسألنى هل هي استقالة أم إقالة؟
قلت للمذيع أنا لا أحب حكايات "القهاوى السياسية" وتضييع الوقت في أسئلة من هذا القبيل.
تغيير الوزارات مسألة معروفة في أي نظام ديمقراطى، وهو عادة يأتي لأسباب متنوعة، بالنسبة لوزارة "الببلاوى" يمكن القول أنها جاءت في الواقع في وقت حرج للغاية، وكان أمامها مهام لم يكن في استطاعتها تحقيق نجاحات ملموسة فيها في الأجل القصير.
وذلك لأن موضوع انعدام الأمن –وهو من أبرز الظواهر السائدة الآن- استفحل نظرا لإصرار جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية على أن تكشف عن وجهها القبيح، وتمارس الإرهاب جهارا نهارا، ليس فقط ضد قوات الأمن أو القوات المسلحة ولكن ضد الشعب نفسه، وهذه أول مرة في التاريخ تمارس جماعة سياسية معارضة الإرهاب ضد الشعب الذي تريد أن تحكمه، وذلك يكشف في الواقع عن ضيق أفق شديد ونزعات متطرفة كامنة في صميم المشروع السياسي الوهمى الذي تصر جماعة الإخوان المسلمين على تحقيقه، وهو تكوين دولة دينية سعيا إلى أن تكون "إمارة" من إمارات الخلافة الإسلامية التي يحلمون بإقامتها.
ممارسة الإرهاب صاحبت الجماعة منذ نشأتها فقد شكل الشيخ حسن البنا الجهاز السرى الذي قام بالاغتيالات السياسية المعروفة.. ومن ثم لم تستطع وزارة "الببلاوى" –بالرغم من الجهود المضنية التي بذلتها وزارة الداخلية– من القضاء نهائيا على الإرهاب واسترداد الأمن المفقود.
أما المطالب الاقتصادية فهى بطبيعتها لا يمكن تحقيقها إلا على المدى المتوسط أو المدى الطويل، ولذلك لم تستطع الوزارة أن تلبى عشرات المطالبات بزيادة المرتبات والحوافز والتي عبرت عنها مظاهرات وإضرابات متعددة..
وذلك لأن كل فئة في المجتمع –بلا استثناء- تعتبر نفسها مظلومة وتريد تحقيق مطالبها المالية الآن وفورا، ولا تستطيع لا وزارة "الببلاوى" أو غيرها من التشكيلات الوزارية أن تحقق كل المطالب لجميع الناس في وقت واحد.
وذلك لسبب بسيط هو أن الدولة بعد نهاية حكم الرئيس المعزول تكاد تكون في حالة إفلاس فعلى، ومن هنا على كافة الهيئات والفئات أن تؤجل تحقيق مطالبها القصوى إلى حين ميسرة، ويكفى أن تطبيق قانون الحد الأدنى من الأجور سيكلف ميزانية الدولة أربعة عشر مليار جنيه.
ومن هنا يمكن القول –تقديرا للمرحلة الاستثنائية التي تمر بها البلاد بعد ثورة 25 يناير- أنه يكفى أن نطالب أي وزارة وأى وزير بالقيام بمهامه بكفاءة من ناحية وبالتزام حقيقى لتحقيق أهداف الثورة كلما كان ذلك ممكنا، لا تطالبوا من يقبلون الوزارة في هذا الوقت العصيب بغير "تعيير" الكفاءة والالتزام؛ لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها.
وفى تقديرنا أن المشكلة ليست في الوزارة التي كلف بتشكيلها المهندس "محلب" والذي أثبت كفاءة والتزاما في منصبه كوزير إسكان، لأنها ستكون بحسب خارطة الطريق وزارة مؤقتة.
التحدى الأكبر سيكون من نصيب الوزارة التي ستتشكل بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وذلك لأن خريطة المؤسسات السياسية ستكون اكتملت وسيتحدد دور كل مؤسسة وبالتالى يمكن تقييم أدائها بصورة موضوعية غير أن الأمانة تقتضى منا أن نقرر أداء رئيس الجمهورية المنتخب والبرلمان المنتخب والوزارة سيتوقف إلى حد كبير على عدد من الشروط الأساسية لعلها –قبل عودة الأمن وهى ضرورة قصوى- سيادة مناخ من الاستقرار السياسي.
لا مجال الآن لمظاهرات حاشدة حتى لو كانت سلمية، ولا مجال لاعتصامات فوضوية هنا أو هناك، ولا مجال للمراهقة السياسية التي تمارسها جماعات شتى من تلك التي ترفع شعارات استفزازية ليس الغرض منها في الواقع إلا إفشال التحول الديمقراطى.
بغير هذه الشروط الضرورية يصبح الأداء الفعال للمؤسسات السياسية على تنوعها مسألة بالغة الصعوبة.