رئيس التحرير
عصام كامل

حكومة "الطبطبة" الانتقالية


لم أتفاءل خيرا بالمقدمة الخطابية الإنشائية التي استهل بها المهندس المهندس إبراهيم محلب خطابه إلى الناس بعد تكليفه برئاسة الوزراء، ووضح من حديث الرجل أنه لا يملك أجندة واضحة في ذهنه للمشاكل الاقتصادية والأمنية المستعصية للبلد، وأنه سيدير البلد خلال الشهور المقبلة بشعارات "شدى حيلك يا بلد" و"الهمة يا رجالة".


جميل ورائع أن يقول رئيس الوزراء المكلف "أنا خادم للشعب"، ولكن هذه العبارة كانت ملائمة لمرحلة ما بعد ثورة 25 يناير عندما كان يعانى الناس القهر ويتعطشون للحرية، وليس لمرحلة بات 95% من الشعب يعانى ويئن ويصرخ ويشتكى فوضى تضرب أطنابها في كل شبر من البلد، ولا تناسب حالة دولة تتعثر كلما حاولت الوقوف على قدميها لأن مواطنيها يدمنون المطالب الفئوية أكثر مما يجيدون الإنتاج.

رئيس الوزراء الجديد بهذه العبارة الحماسية يعطى الضوء الأخضر لاستمرار الدولة الرخوة ولمزيد من إضاعة هيبتها ويفتح شهية الفوضويين لمزيد من الفوضى، ومؤشر على أن الرجل جاء لتدشين مرحلة الاسترضاء والتهدئة والطبطبة "الانتقالية" التي سيجرى فيها انتخاب الرئيس والبرلمان، وليس لإعادة دولة القانون التي غابت تماما.

لم يبدأ الرجل بالمصارحة والمكاشفة بالواقع الاقتصادى المرير للبلد، لم يعتبر ميزانية مصر كميزانية أي منزل ويتحدث للبسطاء بلغة يفهمونها ويقول " هذه إمكانياتنا" و"هذا ما لدينا" بواقعية، لكى يتحمل كل مواطن ما هو قادم من معاناة معيشية وحياتية بدلا من أن "يعشمه" بأوهام وأحلام لا يستطيع تحقيقها، لم يوضح الرجل للمواطن ببساطة أن مصر أشبه بالأسرة وأن راتب مصر يبلغ كذا ومصروفاتها كذا، وأننا سنسعى لزيادة راتب البلد خلال عام أو اثنين أو ثلاثة، من خلال كذا وكذا وكذا وأن راتب المواطن سيرتفع إلى 2500 جنيه في يوليو 2016 مثلا، وأننا نعانى أزمة طاقة وأن الكهرباء ستنقطع في كل البيوت خلال شهور صيف العام الحالى بمعدل ساعة يوميا، وستنخفض خلال 2015 إلى نصف ساعة وستنتهى ظاهرة انقطاع الكهرباء تماما في 2017 عندما نفعل كذا وكذا وكذا، وعلينا أن نستعد ونتأهب للشهور أو السنين العجاف القادمة.

هذا الخطاب الموضوعى الصريح سوف يكون ملائما لسيكولوجية المصريين ويمنحهم الشعور بأنهم جزء من هذا الوطن وتأهيلهم لتحمل صعوبات المرحلة الصعبة التي نمر بها.

على أرض الواقع وبالحسابات البراجماتية، ما المبرر لتعيين حكومة جديدة يعلم الجميع أنها لن تمكث أكثر من 3 شهور؟ وماذا ننتظر من وزير يعلم علم اليقين أن بقاءه على كف عفريت؟ صحيح أن إقالة رئيس الوزراء السابق وحكومته أحد تداعيات تصاعد حدة الاحتجاجات والمطالب الفئوية لدى قطاعات مهنية عريضة، لكن توقيت هذه المطالب ليس مناسبا، ولا يجب أن ترضح الدولة لكل من يحاول ثنى ذراعها بالقوة أثناء مرورها بمرحلة المرض أو الاستشفاء الاقتصادى، فالوقت غير مناسب.

ثم إن نشاط إبراهيم محلب ودأبه لا يكفيان ولا يؤهلانه لمنصب رئيس الحكومة، وتصورى أن مصر تحتاج إلى رجل عبقرى قوى حاسم صارم صاحب أجندة اقتصادية، واضح الرؤية والهدف، يبدأ التنفيذ فورا وبلا مقدمات، نحتاج إلى شخص مثل مهاتير محمد الذي نجح بوضوح رؤيته وبعزيمته وبإرادة شعبه وإصراره على الإنتاج والعمل في تحويل ماليزيا من دولة متخلفة إلى نمر اقتصادى.

أقيلت حكومة الببلاوى وجىء بحكومة محلب، لا الناس عرفت لماذا ذهبت الأولى ولماذا جاءت الثانية، نفس عقلية الإدارة والتغيير السائدة في مصر منذ 60 عاما، لا شىء تغير وكأن الشعب ليس من حقه أن يطلع على الأسباب الحقيقية للإقالة والتعيين!!
الجريدة الرسمية