رئيس التحرير
عصام كامل

الشعب والثورة!


ثورة 25 يناير التي دخلت التاريخ العالمى من أوسع أبوابه، والتي مثلت قطيعة تاريخية كاملة مع الماضى الذي تمثل في استبداد النظم السياسية وخنوع الجماهير أمام السلطة الغاشمة ليست ملك مجموعة الشباب الذين أشعلوا فتيلها في تظاهرة احتجاجية نظموها بمبادرة منهم في 25 يناير، ولكنها - بعد أن انضم إليها الملايين من المصريين رجالًا ونساءً شيبًا وشبابًا وأطفالًا- تحولت في حدث من أحداث التاريخ النادرة إلى ثورة شعبية كاملة، بعد أن ارتفع شعارها الشهير "الشعب يريد إسقاط النظام".


وعلى ذلك لا يحق لأى مجموعة من الناشطين السياسيين أو الائتلافات الثورية أن تقوم بالوصاية على الثورة، أو تدعى أنها هي وحدها المعبرة عنها.

ومما لا شك فيه أن هناك اتجاهًا شعبيًا جارفًا يدعو لترشح "السيسى" في انتخابات الرئاسة القادمة، تقديرًا لدور القوات المسلحة الأساسى في دعم الإرادة الشعبية التي صممت على إسقاط نظام الإخوان المسلمين الاستبدادى، وليس معنى ذلك الدعوة إلى اقتصار المرشحين للرئاسة على المشير "السيسى"، بل إنه ينبغى أن يكون الباب مفتوحًا لكل مواطن مصرى يرى في نفسه الكفاءة والمقدرة على إدارة شئون البلاد لو تم نجاحه في الانتخابات.

غير أنه بدأت منذ الآن – للأسف الشديد- بوادر انقسامات في صفوف الناشطين السياسيين، وبدأت تظهر دعابات تتحدث عن مرشح الثورة أيًا كان اسمه وكأنه سيقف منافسًا لمرشح الشعب!

وليس هناك شك في أن "السيسى" الذي أحاطته الجماهير بشعبية غير مسبوقة يجمع بين تمثيل الشعب والثورة معًا؛ لأن الشعب -كما أكدنا- هو من قام بالثورة.. ونتمنى –على عكس انتخابات الرئاسة السابقة- ألا يفتح الباب لكل من هب ودب ليتقدم لسحب كراسة الترشح، بل لابد من وضع شروط دقيقة تضمن جدية من يتقدم.

لقد كان منظرًا مسيئًا للانتخابات السابقة أن أي عابر سبيل كان يستطيع أن يطرق باب اللجنة المسئولة ويطلب ملف الترشح، وتحولت المسألة البالغة الجدية إلى نوع من الهزل المرفوض.

نريد لانتخابات الرئاسة القادمة أن تكون انتخابات تنافسية حقًا يحاول فيها كل مرشح أن يقدم برنامجه، ويعرض رؤيته الإستراتيجية التي تتضمن الحلول الفعالة لمواجهة مشكلات مصر المتراكمة.

ونتمنى أن ترتفع لغة الحوار الديمقراطى بين المرشحين إلى المستوى الذي يليق بانتخابات رئاسية تجرى في مصر بتاريخها البرلمانى العريق، حتى يتاح للجماهير أن تختار الأكفأ في إطار من الشفافية والنزاهة والاحترام المتبادل.

إن انتخابات رئاسة الجمهورية القادمة تكاد أن تكون أهم انتخابات من نوعها في تاريخ مصر الحديث؛ لأنها تأتى عقب أحداث درامية حاولت فيها جماعة إرهابية أن تهيمن على كيان الدولة وأن تشق صفوف المجتمع.

بعبارة موجزة سيتوقف مستقبل مصر على الرئيس المنتخب الذي نتمنى أن يكون معبرًا تعبيرًا دقيقًا عن آمال الشعب وطموحاته في تحقيق أهداف ثورة 25 يناير في الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.

وينبغى أن نلفت الانتباه إلى مسألة بالغة الأهمية، وهى أن إلقاء عبء مسئولية مواجهة المشكلات المتراكمة وتحقيق أهداف ثورة 25 يناير على عاتق رئيس الجمهورية وحده سيعد خطأ تاريخيًا جسيمًا.. وذلك لأن الدستور الجديد الذي وافق الشعب عليه بأغلبية كبيرة ينص على توزيع السلطة السياسية بين الرئيس والبرلمان ورئيس الوزراء.

وبالتالى فهناك دور أساسى لابد أن يلعبه البرلمان في التشخيص الدقيق للمشكلات وابتداع الحلول الناجحة لها، غير أن كل ذلك لا يكفى في الواقع؛ لأن الشعب بكل طبقاته لابد أن يشارك في معركة التنمية المقبلة.
الجريدة الرسمية