إعداد المسرح للرئاسة القادمة
على مهل وبصورة تدريجية وبحسابات منضبطة يعد المشير "السيسى" المسرح لرئاسة الجمهورية القادمة.
ينطلق "السيسى" في سيرته للرئاسة مؤيدًا من ملايين المصريين الذين أعجبوا بجسارته في دعم الإرادة الشعبية التي تبلورت في 30 يونيو، والتي سعت بصورة ثورية للانقلاب على حكم جماعة الإخوان المسلمين الاستبدادى، واسترداد الدولة التي كادت أن تضيع، وإنقاذ هوية المجتمع التي أوشكت على أن تتبدد تحت وطأة الشعارات الدينية الرجعية وصيحات النهضة المزعومة في سياق تم فيه الخلط المعيب بين الدين والسياسة.
وبذلك تحول الدين المقدس ليصبح مشروعًا سياسيًا يتصارع مع غيره من المشاريع المنافسة، وتحولت السياسة التي ينبغى أن تحكمها معايير دقيقة منضبطة تقوم على حسابات التكلفة والعائد إلى ممارسة دينية مشوهة، يتصدرها أصحاب اللحى الطويلة من أدعياء التقوى الشكلية أصحاب العقول الفارغة، والجهلة بأوضاع العالم المعاصر، وأحوال المجتمع المصرى الحقيقية.
ولم يكن تدخل القوات المسلحة بقيادة "السيسى" في 3 يوليو انقلابًا عسكريًا ولكنه كان في التحليل الدقيق سدًا لباب الدكتاتورية باسم الدين، وفتحا للطريق الواسع للديمقراطية، وتأكد ذلك بعد إعلان خارطة الطريق والتي تنفذ مراحلها كما نص الإعلان الدستورى بمنتهى الدقة.
انتهينا من صياغة الدستور والاستفتاء عليه، وثبت القبول الشعبى الواسع له، ونحن الآن في انتظار إشارة البدء في انتخابات رئاسة الجمهورية.
وهناك مؤشرات متعددة على أن المشير "السيسى" قد حزم أمره وقرر الترشح للمنصب الرفيع.. ولقد كان "حمدين صباحى" موفقًا غاية التوفيق في إعلانه عن ترشحه هو أيضًا للرئاسة، ومعنى ذلك أنها ستصبح بالفعل -كما كنا نأمل- انتخابات ديمقراطية تنافسية، وخصوصًا لو رشحت نفسها شخصيات مرموقة أخرى.
غير أن "السيسى" في إطار إعداده لمسرح الرئاسة القادمة، قام بخطوة إستراتيجية موفقة غاية التوفيق حين قام بزيارة رسمية باعتباره وزير الدفاع لموسكو.
وهذه الزيارة إشارة بالغة الدلالة على أن "مصر الثورة" قد قررت أن تعيد التوازن إلى سياساتها الخارجية، وألا تقنع بالعلاقة الوثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية والتي شابتها في الفترة الأخيرة أخطاء أمريكية فادحة ممثلة في التحالف المشبوه مع جماعة الإخوان المسلمين، والدفاع الباطل عن "محمد مرسي" وجماعته الإرهابية.
اليوم يعتدل الميزان، وخصوصًا بعد صفقة الأسلحة الروسية التي تم الاتفاق عليها والتي تعد زيارة المشير لموسكو تكريسًا لتجديد علاقة الصداقة التقليدية بين القاهرة وموسكو، والتي وصلت في عهد "جمال عبد الناصر" إلى مرتبة التحالف الوثيق.
ولن ينسى الشعب المصرى وقوف الدولة السوفيتية بجانبه بعد هزيمة يونيو 1967، والجهود الفائقة التي قام بها السوفيت لدعم الدولة المصرية وهى تستعد لدحر العدوان الإسرائيلى في حرب أكتوبر 1973 المجيدة.
مصر الثورة بهذه الزيارة التاريخية التي يقوم بها "السيسى" إلى موسكو تعيد التوازن في سياسة مصر الخارجية، حتى تستعيد مرة أخرى ثوابت الاستقلال الوطنى في سياق عالمى تسعى فيه الدول إلى تحقيق الديمقراطية ونشر لواء العدالة الاجتماعية.
وفى تقديرنا أن مصر بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية وتولى الرئيس المنتخب مسئولية القيادة سيتم تنظيم الانتخابات البرلمانية التي نرجو أن تخرج لنا برلمانًا متوازنًا تمثل فيه كافة الفصائل السياسية التي تؤمن بالديمقراطية وترفض ممارسة العنف في الصراع السياسي، وتقف صفًا واحدًا مع الدولة ضد موجات الإرهاب الإجرامية.
حين تتم كل هذه الخطوات الضرورية ستبدأ مصر طريقها لتحقيق الأهداف السامية التي سعت ثورتا 25 يناير و30 يونيو لتحقيقها.. ولن يتحقق ذلك إلا إذا مارست النخب السياسية سواء كانت في الحكومة أو المعارضة الديمقراطية، واضعة في الاعتبار قيمها الأساسية وليس مجرد آلياتها والتي تتمثل أساسًا في صناديق الانتخاب.
وقيم الديمقراطية تقوم أساسًا على احترام مبدأ التداول السلمى للسلطة، والتوافق السياسي، والحرص على الحوار، وإعلاء الصالح العام على المصالح الحزبية الضيقة.
لدينا أمل في أن ينطلق الشعب المصرى في مسيرته الديمقراطية بعد كل التضحيات التي بذلها في سبيل تحقيق الحرية والكرامة الإنسانية.