رئيس التحرير
عصام كامل

بالفيديو والصور.. تفاصيل سقوط مافيا «قطع الغيار البشرية» بالقاهرة.. الشبكة تضم أطباء وفنيي تحاليل.. الضحايا من الفقراء والمتسولين.. و«حمدي» باع «كليته» واللصوص سرقوا ثمنه

فيتو

مات الضمير بداخلهم، فتحكم فيهم الطمع والجشع.. أرادوا تحقيق الثراء السريع، فاحترفوا الإتجار بلحوم البشر.. انساقوا وراء شيطانهم، فزين لهم انتزاع أعضاء الغلابة من الفقراء والمتسولين، مقابل جنيهات قليلة، وبيعها للأثرياء من المصريين والعرب بعشرات الآلاف.. تجار الأعضاء البشرية تواطئوا مع قلة من الأطباء معدومى الضمير، وكونوا شبكة كبرى في جميع المحافظات، مهمتها جلب الضحايا من المعدمين، وتسليمهم لبعض الأطباء الذين يقومون بسرقة أعضائهم خصوصا "الكلى".. ظلت هذه الشبكة تمارس نشاطها في الخفاء، وبالاشتراك مع عدد من المستشفيات الشهيرة، إلى أن نجح رجال المباحث في الكشف عنها.. 

"فيتو" بحثت عن تفاصيل هذه الواقعة الجديدة، والتقت عددا من الضحايا والمتهمين واستمعت منهم إلى حكايات غاية في الإثارة ترصدها في السطور التالية:

داخل قسم شرطة الأزبكية.. التقت فيتو بواحد من السماسرة المتخصصين في جلب الضحايا وتقديمهم للأطباء لسرقة أعضائهم، وسألته عن حكايته مع هذه المافيا.. فأجاب: "اسمى ياسر عاصم.. كنت أعمل فنى تركيب دش.. ضاقت بى سبل الرزق، وتراكمت علىّ الديون، ولم أعد قادرا على تدبير مصاريف بيتى.. بحثت عن عمل آخر ولكنى لم أجد.. ذات يوم، قرأت إعلانا عن طلب متبرع بالكلى، فاتصلت على الرقم الموجود في الإعلان، وتواصلت مع صاحبه وعرضت عليه بيع كليتى، وبالفعل أجريت عدة تحاليل في بعض المستشفيات والمعامل بالدراسة والمقطم، ولكن جميعها أكدت أننى لا يمكن أن أعطى كليتى لأحد.. أصبت بخيبة أمل كبيرة، بعد أن فشلت في بيع جزء من جسمى حتى أوفر متطلبات الحياة لأولادى".

صمت المتهم قليلا واستطرد: "بعد عدة أيام تعرفت على أحد الأشخاص وتوطدت علاقتى به سريعا، وشرحت له ظروفى وحكايتى مع بيع كليتى، فعرض علىّ أن أتحول من "متبرع" إلى سمسار، وأكد لى أن مهمتى هي البحث عن الفقراء المعدمين، وإقناعهم ببيع "الكلى" مقابل مبلغ مالى لا يزيد على 15 ألف جنيه، وعمولتى عن كل شخص 3 آلاف جنيه بشرط أن تكون فصيلة دم الضحية من نوع "o".

وأضاف: "أعجبتنى الفكرة، وبدأت على الفور في البحث عن الضحايا، ونجحت بالفعل في إقناع خمسة أشخاص من محافظات مختلفة، جاءوا إلى القاهرة للعمل بها، غير أنهم تعرضوا لأزمات مالية طاحنة، وتوجهت بهم إلى معمل مشهور، وأجريت لهم التحاليل اللازمة، وحصلوا على الأموال المتفق عليها، وحصلت أنا على عمولتى".

وتابع: "تحسنت أوضاعى المالية، وقررت الاستمرار في هذا النشاط، وتعرفت بعد ذلك على عدد من الأطباء العاملين في مستشفيات خاصة بالقاهرة والجيزة، وعلمت أنهم متخصصون في الإتجار بالكلى، حيث يحصلون على الكلية من صاحبها بمبلغ يصل إلى 20 ألف جنيه، يشمل عمولة السمسار ومصاريف التحاليل، ثم يبيعونها لرجال الأعمال والأثرياء العرب مقابل مبالغ تصل إلى 100 ألف جنيه".. طأطأ المتهم رأسه إلى الأرض وقال في تأثر واضح: "أنا نادم على جرائمى.. حاولت أن أبتعد عن هذه العصابة، ولكنهم هددونى بالإيذاء، ولرغبتى الشديدة في جمع المال.. والآن خسرت كل شيء، ولا أدرى كيف أواجه أولادى؟!"

أما حمدى محمد، فقال: "جئت من محافظة الوادى الجديد إلى القاهرة، هربا من جحيم زوجة الأب.. فوالداى منفصلان وتزوج كل منهما مرة أخرى.. ومنذ أن دخلت زوجة والدى إلى منزلنا، وهى تعاملنى بقسوة لا مثيل لها.. ذهبت إلى أمى، فعاملنى زوجها بذات قسوة زوجة أبى.. اضطررت للسرقة حتى أوفر مصاريفى الخاصة، فتحولت إلى شخص مكروه ومنبوذ في منطقتى ولم أجد أمامى سوى الهروب إلى القاهرة".

وأضاف: "عملت في "فرن بلدى" بمنطقة باب الشعرية، إلى أن تعرفت على شخص اسمه إبراهيم، وتحدثت معه عن ظروفى.. عرض علىّ أن أبيع كليتى بـ"15" ألف جنيه وبالمبلغ أبدأ مشروعا جديدا.. بعد تفكير اقتنعت بكلامه، وذهبت معه وتقابلنا مع شخص اسمه "كريم" في معمل تحاليل معروف بالدقى، وأجريت كل التحاليل اللازمة، ثم تقابلت مع ممرضة مفصولة تدعى "أم مروة" اصطحبتنى إلى مستشفى شهير، وهناك أجريت لى الجراحة، وحصلت على المبلغ.. بعد خروجى من المستشفى أعطيت إبراهيم وكريم، 500 جنيه لكل منهما، وأقمت في فندق برمسيس حتى أسترد صحتى.. أثناء سيرى في الشارع، فوجئت بثلاثة أشخاص مجهولين يعتدون علىّ بالضرب ويسرقون ما تبقى معى من ثمن كليتى". 

صمت "حمدى" قليلا وأضاف: "ذهبت إلى كريم وشرحت له ما حدث معى، وعرض علىّ أن أتحول إلى سمسار، أجلب المتبرعين من الفقراء لبيع الكلى، وكانت عمولتى ألف جنيه من أعضاء المافيا، و500 جنيه من كل متبرع، واستطعت بالفعل أن أقنع 6 أشخاص من الفقراء والمتسولين، وسلمتهم لكريم وحصلت على عمولتى ولا أعرف ما يحدث مع الضحايا بعد ذلك".

من جهته قال العميد خالد عبد العزيز مدير الإدارة: "البداية كانت معلومات توصلت إليها مصادر البحث السرية، عن وجود شبكة ضخمة للإتجار بالأعضاء البشرية، تضم سماسرة وأطباء وفنيين في معامل تحاليل طبية ومستشفيات خاصة مشهورة بالقاهرة والجيزة.. أكدت التحريات صحة هذه المعلومات". مضيفا أن تلك الشبكة تضم العشرات من الأطباء والسماسرة، وأنهم يختارون ضحاياهم من المتسولين والفقراء من مختلف المحافظات.

وبعد اتخاذ الإجراءات القانونية تمكنا من إلقاء القبض على 11 شخصا من أعضاء الشبكة وضحاياها، وفى التحقيقات اعترفوا على شخصيات أخرى وأرشدوا عن المستشفيات المتخصصة في سرقة الأعضاء البشرية.. ويتم حاليا حصرها والتحرى عن الأطباء المتورطين في تلك الجرائم وربما تشهد الأيام المقبلة الكشف عن مفاجآت مذهلة في القضية.
الجريدة الرسمية