رئيس التحرير
عصام كامل

هل هناك بحث علمى في مصر!؟


يؤسفنى ما أراه ما يحدث في معاهد مركز البحوث الزراعية من عدم توفر أدنى الإمكانيات من أجهزة المعامل وسيارات النقل للمحافظات وحتى عدم وجود المعامل نفسها والتي تحولت معظمها إلى مكاتب للأساتذة المحالين على المعاش.. ومن يستطيع بعلاقاته الشخصية أن يحصل على مكتب.. ولكن ليس هذا هو المهم.. فالمهم والأهم هي الميزانيات التي تدخل المركز من مشاريع كبيرة أو مشاريع تقييم المبيدات أو إعادة تقييمها وغيرها أين تذهب هذه الأموال؟ ومن يحالفه الحظ لنيل جزء من هذه المشاريع؟


فلابد من إعادة النظر في توزيع هذه الأموال الضخمة التي تعد بالملايين بحيث نضمن أن يعمل الجميع ويأخذ كل واحد ما يستحق وينفق الباقى لتطوير المنظومة البحثية التي تتدهور من يوم إلى آخر بحيث يمكن شراء معدات معامل بما يتناسب مع ظروف كل معهد وقسم.. وشراء سيارات لنقل الباحثين لأخذ العينات وعمل الأبحاث والزيارات الميدانية في المحافظات بحيث يتم ربط البحث العلمى بالمجتمع.

فلماذا لا ننفق جزءا من أموال هذه المشاريع في عمل الندوات والمؤتمرات للمزارعين في كافة المحافظات بحيث يشارك في التوعية كل من يعمل في البحث العلمى بداية من مساعد باحث إلى الأساتذة الكبار وكل يأخذ حسب مجهوده أو درجته ولم لا؟!

من الملاحظ أن من يعمل في الجهاز الإدارى بالمركز هو أعلى دخلا من الباحث المنهمك في عمله.. والذي لا يهمه غير إخراج بحثه على أكمل وجه.. وهنا أعطى مثلا للنموذح المثالى الذي يجب أن يكون عليه الباحث لا أكثر.

إذًا ليس شرطًا لتطوير البحث العلمى هو زيادة ميزانية البحث العلمى فقط.. ولكن المهم هو كيفية وطرق إنفاق هذه الأموال على تطوير البحث العلمى وتطوير كفاءة الباحث.. وتوفير كل الإمكانيات التي توظف طاقات الباحثين والعاملين بما يضمن ويتفق مع ما يحتاجه المجتمع.. ولا يكون هناك طاقات معطلة وبهذا سيظهر النابغون وسيأخذ كل واحد حقه الذي يضمن له عيشة كريمة ويشعر الباحث بذاته بما يؤديه بعلمه وخبرته في خدمة المصريين.

يا سادة فحتى الآن ليس لدينا بحث علمى في مصر.. وإذا استمر الحال على ما هو عليه فسوف لا يكون هناك بحث ولا علم ولا تعليم على الإطلاق.

البحث العلمى هو عمل جماعى وليس فردى.. وعلى هذا الأساس يجب أن يكون هناك إستراتيجية واضحة للبحوث تدور في فلك أيدولوجية عامة للدولة.. وبذلك نكون قد اقتربنا من العمل النظامى وابتعدنا عن العشوائية التي أصابتنا جميعًا حتى في بيوتنا.

أن تقترب العشوائية من المراكز البحثية والجامعات فتلك كارثة تدمر المجتمع بأكمله.. فالمنوط به محاربة العشوائية والجهل هو نفسه يعانى من العشوائية ويكبل عقله عن الإبداع ما يوجد حوله من جهل يتوافق معه للتعايش فقط بدلًا من محاربته.

وما يحزننى حقًا ما كان عليه البحث العلمى في الجامعات المصرية والمراكز البحثية من تقدم وما قدمه علماؤها لمصر وللعالم كثير جدًا وليس هذا بزمن بعيد ولكنه منذ خمسين سنة فقط.

فالآن زادت أعداد الباحثين والعاملين وأنهارت أيضا الرقعة الزراعية وتغيرت السياسات وتعود العاملين في حقل البحوث على الكسل ليس بإرادتهم ولكن بسبب غياب الإستراتيجيات التي تأثرت بالطبع بإستراتيجيات أخرى في مصر وخارج مصر.. ففقدنا أيدولوجيتنا ومارسنا العشوائية في كل نواحى حياتنا.

فأصبحت عشوائية البحث العلمى في الجامعات والمراكز البحثية ماهى إلا مرآة لغياب أيدولوجية الدولة وفساد الأنظمة.. بداية من رأس الدولة وصولًا لأقل موظف في الدولة مرورًا بصفوة المجتمع وعلمائها.. فنحن نعيش منظومة يا سادة كالتروس إذا تعطل أحد تروسها تقف المنظومة بالكامل وتصدأ.. فمن بيده إنقاذ مصر مما تعانيه من الصدأ ويعيد إليها رونقها القديم.. لك الله يا مصر. 
الجريدة الرسمية