رئيس التحرير
عصام كامل

3 سنوات عجاف


مهدت السنوات العجاف الثلاث الأخيرة المناخ السياسي لكى يتقبل الكثيرون فكرة الرئيس العسكري، حتى الذين كانوا ينحازون لمدنية الدولة ويرفعون شعار"لا لحكم العسكر" بعد 25 يناير 2011، أصبح شعارهم " نعم لحكم المؤسسة العسكرية" وأدركوا الآن أنها الأجدر بقيادة مصر في هذه المرحلة العصيبة.


وأظن أن هذا التحول في قناعات الملايين من المصريين ومنهم مثقفون ومفكرون وسياسيون وناشطون لم يأت من فراغ، بل إن حصاد السنوات الثلاث بحلوها ومرها، وتحديدا الإرهاب الإخوانى الذي يحرق بنيرانه الجميع دفعهم دفعا إلى هذه القناعة.

لقد تغيرت خلال السنوات الثلاث كثير من المفاهيم وصار درء الإرهاب الإخوانى مقدما على جلب الحرية، وأصبح حكم المؤسسة العسكرية مقدما على فكرة مدنية الدولة، ولم تعد "البيادة" رمزا للسحق والفاشية والدكتاتورية، بل صارت عنوانا للنزاهة والوطنية والشرف.

لقد امتثل مبارك -ولو متأخرا- لإرادة الملايين وترك الحكم احتراما لرغبتهم ودون مقاومة من جانب أنصاره وفلوله، ودون الدخول في حرب مع الشعب، ودون حرق وتدمير الدولة وهيأ الدولة -دون قصد طبعا– بانسحابه الناعم لبناء دولة ومؤسسات على أسس مدنية، بينما هيأ مرسي وإخوانه الإرهابيون لدولة أبعد ما تكون عن المدنية، بممارساتهم التي تجبر الدولة على استخدام سلطاتها القمعية في مواجهة إرهابهم الأسود، وبعد أن هدموا كل مؤسسات الدولة بما فيها المخابرات ومؤسسة الأمن، لم يبق سوى المؤسسة العسكرية الوحيدة القادرة على الدفاع عن الدولة في مواجهة مخططات هدمها وتدميرها.

كان يمكن أن نتجنب سيناريو حكم المؤسسة العسكرية لو أن المعزول مرسي أدرك أنه فاشل وتنحى، أو على الأقل دعا لانتخابات رئاسية مبكرة قبل 30 يونيو 2013، ولكن ما أكثر الحكام الأغبياء في هذا الزمان، ذلك أن التاريخ يمنحهم فرصة ذهبية للخروج بشرف من السلطة معززين مكرمين من شعوبهم، لكنهم بغبائهم وعنادهم وجبروتهم يأبون إلا أن يخرجوا مهانين مذلولين مطرودين إلى مزبلة التاريخ، ومرسي واحد من هؤلاء، وهاهو الآن بما يفعله هو وجماعته الإرهابية من عنف وتفجيرات وشن حرب ضد الشعب يجبر الدولة على المقاومة المشروعة التي قد تتحول إلى سلطة قمع ثم إلى دولة بوليسية.

هناك من يمزج بخبث ودهاء بين الحكم الديني والحكم العسكري، ويعلن رفضه لهما باعتبارهما رمزا للفاشية، ولكن هناك فارقا كبيرا بين حكم جماعة، الخيانة هو سلوكها والإرهاب مبدأها والتمكين هو مخططها وكراهية الوطن والشعب شعارها، وبين مؤسسة وطنية لم تخن أو تفرط في الوطن ولم تعاد الشعب يوما، المؤسسة العسكرية أو رئيس منتمى إليها هو مرشح الضرورة، وسيكون أقل ضررا في هذه المرحلة من رئيس منتمى لتيار الإسلام السياسي أو رئيس مدنى قد لا يكون ملائما لهذه المرحلة.

سيكون السيسى هو أول رئيس عسكري يأتى لحكم مصر بإرادة شعبية كاملة وكاسحة باعتباره المنقذ الذي خلص الشعب من كابوس الإخوان المجرمين الإرهابيين.. وليس لاعتبارات براجماتية عقلانية، سيصوت المصريون للسيسى حبا في شخصه وليس لبرنامج انتخابى يستهدف تحقيقه.. وحتى لو كان هناك من يرفض هذا النهج، انطلاقا من أنه قد يصبح على المحك عندما يجلس على كرسى السلطة، وقد تتغير صورته إذا لم ينجز كل الاستحقاقات التي ينتظرها منه الجميع في تحسين أوضاعهم المعيشية المتردية.. ولكن أظن أن امتنان كل المصريين للرجل يكفى لحل أكبر أزمات مصر وهى ترويض الشعب، وإنهاء أزمة الفوضى المجتمعية والانفلات السلوكي والأخلاقي باعتبارها مقدمة على باقى الأزمات.

الجريدة الرسمية