رئيس التحرير
عصام كامل

لغز الأصوات الباطلة


فى نتيجة الاستفتاء ظاهرة يجب أن نتوقف أمامها كثيرا، وهى ضخامة عدد الأصوات الباطلة والتى وصلت إلى 246 ألفا و947 صوتا بنسبة 1.2%، أى أن بين كل ألف شخص أدلوا بأصواتهم، هناك 12 شخصا منهم أبطلوها، ولأننى لا أحسن الظن فى نوايا الراغبين فى تدمير الوطن وعرقلة مسيرته، لا أستطيع أن أصدق أن كل هذه الأصوات الباطلة قد أبطلت بحسن نية، أو بسبب ارتفاع نسبة الأمية بين الشعب، ذلك لأن ورقة الاستفتاء خالية من أى غموض أو ارتباك يمكن أن تسببه أثناء الإدلاء بالصوت حتى بالنسبة للذين لا يجيدون القراءة والكتابة.



عندما تسمع القضاة المشرفين على الانتخابات أثناء عملية الفرز فى اللجان الفرعية ليلة إعلان النتيجة تكتشف أن معظم الأصوات الباطلة جاءت نتيجة وضع علامتين على مربعى "نعم" و"لا" فى وقت واحد، فيما كتب البعض عبارات ضد الدستور وهو مؤشر على شبهة التعمد أو التصويت الاحتجاجى.

غير أن السؤال الجدير بالطرح هنا "إذا كان هناك من كان ينوى إبطال صوته عمدا مع سبق الإصرار.. لماذا تكبد مشقة الذهاب إلى اللجنة الانتخابية – بصرف النظر عما إذا كانت قريبة أو بعيدة عن سكنه - والوقوف فى طابور طويل لكى "يعبث" و"يلهو" و"يشخبط" بورقة التصويت؟  أغلب الظن أن هناك - من المنتمين لتيار الإسلام السياسى سواء الخلايا النائمة وغير المنظورة فى الجماعة الإرهابية أو قيادات السلفيين وحزب النور، أو السلفية الجهادية أو الجماعة الإسلامية - من يعتبر نفسه مجبرا على الذهاب إلى اللجنة والظهور أمام الجميع سواء الكاميرات أو الأهل والجيران ويتباهى بالحبر الفوسفورى فى إصبعه ليظهر فى صورة المؤيد للدستور بينما هو فى داخله يكره الدستور ومن وضعوه.

وبعيدا عن هذه الظاهرة، أقول للجماعة التى تسمى نفسها "إحنا آسفين ياريس" وتدعى أن التاريخ سوف ينصف رئيسهم المخلوع مبارك "اخرسوا ألسنتكم"، فها هو الاستفتاء أحد الدلائل على أن رئيسكم سوف يكون فى مزبلة التاريخ، وأحمد الله أنه قد أمد فى عمره لكى يرى مصر وقد بدأت بشاير وإرهاصات التغيير تتحقق فيها بالفعل، ويدرك قبل أن يدركه الموت أن أحد الجرائم الكثيرة التى ارتكبها فى حق هذا الشعب أنه زور إرادته طيلة 30 عاما، حتى قتل عن عمد رغبة المشاركة فى الانتخابات عند الناس، ويدرك أنه سخر جهاز الأمن والداخلية لخدمة نظامه الفاسد ومشروع التوريث، ويعلم أن الفارق شاسع بين استفتاءاته واستفتاءات ما بعد 25 يناير 2011 .

نزاهة الصناديق لم تكن كيمياء أو دربا من المستحيل، بل كان يمكن للمخلوع بكلمة منه - وهو الحاكم القابض على مفاتيح السلطة بين يديه - لوزراء داخليته سواء النبوى إسماعيل أو أبوباشا أو رشدى أو بدر أو موسى أو الألفى أو العادلى - أن تتحقق النزاهة، ولأصبح هناك تعددية حزبية حقيقية بدلا من الأحزاب الورقية ودكاكين الشقق المفروشة التى كان يصنعها كديكور للمعارضة، لعل المخلوع مبارك يدرك أيضا أنه أشرف على مخطط تجريف مصر من القيادات وتغييب الصفين الثانى والثالث، من أجل إخلاء الساحة لابنيه علاء ثم جمال فى مرحلة لاحقة.. لعله يستوعب إلى أى مدى أفسد التجربة الحزبية فى مصر بإصراره على أن يظل رئيسا للحزب الوطنى المنحل وعدم الاستجابة للدعوات والمطالبات المتكررة من الجميع بتخليه عن رئاسته، وأن يأمر أجهزته بتزوير الانتخابات من أجل أن يظل رئيسا للحزب الأوحد والوحيد فى مصر .

الجريدة الرسمية