رئيس التحرير
عصام كامل

بيان الزُّمُر..وعصفور تولستوى


على الإخوان المسلمين وعموم التيارات الإسلامية التى هرعت إلى ميدان العمل السياسى، معتلية صهوة جواد الديمقراطية، الابتعاد فورًا عن مضمار السياسة، والتفرغ التام للعمل الدعوى والتربوى والخيرى فى المساجد والجمعيات والمؤسسات الشرعية.

يقول تولستوى: "لو أن عصفورًا هجر الطيران، وشُغِف بركوب الدراجة، جاء إلىَّ يشكو مما ينتابه بين الحين والحين من اضطرابات عصبية، ويطلب منى أن أصف له الدواء، لما لَبَّيت طلبه، ولأمرته فى غضب أن يعود إلى ما خُلِقَ من أجلِه".
أرى فى عبارة تولستوى القول الفصل، وإيجاز رسالتى إلى الإسلاميين، وهو العودة إلى الأصل فى الدعوة والتربية والأعمال الخيرية، قبل أن يصل بهم الأمر إلى طلب الدواء من داء السياسة القاتل، مثلما فعل عصفور تولستوى، ولتكن أيها السادة فترة استرخاء من عناء سنوات القهر والتنكيل التى تجرعتم مرارتها، وهدنة لاسترداد العافية الحركية، وأظن أنها لن تصطدم بعوائق المنع والتنكيل، بعد أن مضى عهدها إلى غير رجعة، وذلك هو أهم وأغلى مكسب أدركتموه من الثورة.
ربما يتبادر إلى ذهن البعض أنها دعوة لإعلان الهزيمة والاستسلام والخنوع، لكنى أراها عين الحكمة والشجاعة والذكاء، ومبادرة لنزع فتيل انفجار قد يودى بالوطن وبنا جميعًا إلى موارد الهلاك، سيما بعد أن بزغت بوادر فقدان الصبر على تحمل استفزازات ما يمكن أن نسميه "أدران السياسة".
الدليل ما ورد بآخر بيان للدكتور طارق الزمر، رئيس المكتب السياسى لحزب البناء والتنمية الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، الذى قال فيه: "إذا سقط الرئيس المنتخب بغير الطريق الشرعى، أى الانتخابات فى2016، فلن يكون هناك حاكم لمصر بعده سوى بقوة السلاح، وسيعلو صوت العنف فوق كل صوت، ويتنحى "الإخوان المسلمين" بسلميتهم المعهودة عن المشهد العام، ليتدخل التيار الإسلامى الثورى فى مواجهة الفوضويين والعلمانيين مباشرة، وقتها سلاح الاستشهاد أقل ما يمكن أن نقدمه فى مواجهة الفجور الشيوعى العلمانى والناصرى التخريبى الحاقد على الإسلاميين ومشروعهم الإسلامى، فلا تضطرونا أيها العلمانيون الفاشيون والليبراليون الكاذبون لأن نفعل ذلك، ونحن عليه قادرون، وإن كنا له كارهين.
استشعار الرعب هنا، والنظر إلى مآلات المستقبل، هو ما دفعنى لدعوة التيار الإسلامى لمغادرة الساحة السياسية فورًا؛ لقناعتى بأنه التيار الأكثر رشادًا وامتصاصًا لصدمات الغضب (حتى الآن).
وأُشهِدُ الله أننى ما أدعوهم لذلك إلا إشفاقًا عليهم من سياط التجريح والتشويه الذى لم يتعرض له بشر على مدار الزمان، وغيرة على الدين الذى طالته شظايا التشويه، لدرجة الطعن فى صلب العقيدة التى هى قدس الأقداس فى الأديان كلها، وخوفًا على مصير الوطن العظيم.


الجريدة الرسمية