رئيس التحرير
عصام كامل

حتى لا تصبح مصر بـ"رأسين"


باختصار.. إذا لم يصبح السيسى رئيسا لمصر، سوف يصبح هناك خلل فى بنية الدولة أو رأس النظام، فالسيسى صار هو الكبير، مقاما ومكانة وحبا فى قلوب الناس بحكم أنه المنقذ الذى خلص الشعب من حكم الإخوان المجرمين الإرهابيين، وأزاح كابوسهم الجاثم على صدور المصريين، وأى رئيس غيره - حتى لو كان منتخبا انتخابا شرعيا من الشعب - لن يكون مقامه أكبر عند الناس من السيسى، وستصبح مصر برأسين "رئيس منتخب" و"رئيس فى الظل يراه الناس الزعيم القائد المغوار الملهم".. تماما مثلما كانت مصر برأسين أحدهما طنطاوى والثانى مرسى، وأظن أن أى شخص يفكر فى ترشيح نفسه لرئاسة مصر، عليه أن ينطلق من هذه الحقيقة قبل أن يتخذ القرار.

الأهم أن تعفف الرجل عن الترشح سيجعل وجوده المعنوى أكبر مما هو عليه الآن، وسيرفع من مكانته فى قلوب الناس أضعافا مضاعفة، وقد يحوله إلى قديس أو راهب، أما نزوله الانتخابات قد يضعه على المحك وقد تتغير صورته إذا لم ينجز كل الاستحقاقات التى ينتظرها منه الجميع فى تحسين أوضاعهم المعيشية المتردية.

ورغم أن تصريحات السيسى الأخيرة لم تؤكد أو تنفى خوضه انتخابات الرئاسة، لكنى أظن أن الرجل صار مطالبا اليوم بأن يعلن موقفه بشكل رسمى لا يحتمل التأويل حتى يوفر وقت وجهد المرشحين الطامحين فى خوض الانتخابات، وينتظرون إشارته، وينهى حالة الترقب والتأهب من جانبهم، ولكى يعطى الفرصة لأجهزة الدولة لترتيب حساباتها واستعداداتها للانتخابات القادمة، ذلك أنه فى حالة إعلانه ترشحه لن تكون هناك معركة انتخابية، وإنما سيفوز الرجل فى انتخابات أشبه ما تكون بالتزكية لانسحاب المنافسين أو غيابهم لعدم التكافؤ.

وأتصور أن أحد أهم إيجابيات ترشيح السيسى للرئاسة أنه سينهى مخاوف الكثيرين من تكرار "مصيبة" و"بلوة" و"مأزق" انتخابات 2012، وأعنى أن عدم التنسيق بين المرشحين قد يأتى بمرشح ذي خلفية دينية مرة أخرى، لأن أنصار تيار الإسلام السياسى قد يتكالبوا على الصناديق لصالح مرشحهم الوحيد بينما تتفتت أصوات باقى المرشحين الوطنيين.

وأظن أن أصحاب أطروحات و"افتكاسات" أن نزول السيسى انتخابات الرئاسة سوف يؤكد لأمريكا وللدول الأوروبية، أن ما حدث هو انقلاب على نظام منتخب، وأن الرجل لم ينحز لإرادة جموع الشعب، وإنما انحاز لإرادته وأطماعه فى السلطة، هؤلاء عليهم أن يخرسوا ألسنتهم لأنهم يعلمون جيدا أن كل الدول التى لم تتوافق مع 30 يونيو بنت موقفها على أرضية مصالحها وليس على اعتبارات انحيازها للديمقراطية، وعلى رأسها واشنطن التى كانت قد بدأت "تظبيط" وترسيخ قواعد مصالحها الانتهازية فى مصر مع الجماعة وقاومت فكرة أن يأتى بديل.

أحد إيجابيات خوض السيسى لانتخابات الرئاسة بلا منافسين، أنه سوف يعزز أسهم إجراء الانتخابات الرئاسية أولا، لأننا سنكون أمام نزهة محسومة مسبقا لا معركة، وقد يمنح هذا الوضع الفرصة لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فى وقت واحد بدلا من إجرائهما بالتتابع، وبالتالى يوفر على ميزانية الدولة 2 مليار جنيه وعلى الأجهزة والداخلية والناخبين مشقة كبيرة قد يتكبدونها جراء التصويت مرتين.

فى هذه اللحظة صارت شرعية "حب الشعب" مقدمة على شرعية "الصناديق"، وعندما يتعلق الأمر بالسيسى لا تتحدث عن الديمقراطية، ذلك أننا أمام حالة تاريخية لن تتكرر، واحد من الناس تحول إلى معشوق كل الناس، يريدون أن يفدوه بأرواحهم إلى حد أنهم يريدون تنصيبه رئيسا بالتزكية وبدون انتخابات ولا صناديق .

الجريدة الرسمية