رئيس التحرير
عصام كامل

لا تجزع لحادثة الليالى


نحمد الله على كل ما بلانا به فكله بلاء حسن لأنه لو اطلعنا على الغيب لعرفنا عن يقين أنه ليس هناك أفضل لنا مما نحن فيه فاختيار الله هو دائمًا الأفضل ولكننا لا نشعر.

كنت ذات يوم أسير في طريقى إلى عملى بسيارتى متجهًا إلى المعادى صاعدًا مطلع الكبرى الدائرى فإذا بسيارة تسير عكس الاتجاه من تحت الكبرى تريد الصعود إلى الطريق الدائرى في نفس طريقى فاصطدمت بسيارتى مما جعلنى أنحنى يسارًا ويمينًا وألتف بسيارتى بطريقة دائرية في مطلع الكبرى متجهًا إلى سور الكبرى لألقى حتفى نهائيا ولكن ستر الله إن أحد أرصفة مطلع الكبرى منعت سيارتى من الانقلاب من أعلى السور، حيث إن سيارتى انحشرت بين دفتى الرصيف الذي منعها من الحركة فنزلت من السيارة متخيلًا ما كانت سوف تؤول إليه حياتى إذ انقلبت سيارتى وكتب لى النجاة.. فكيف كنت سأعيش عاجزًا لا قدر الله فكل ما أصاب سيارتى يعوض ولكن من يعوض حياتى.

أتذكر هذه الحادثة لأننى أصبت الآن بمرض يعيقنى عن القراءة وهو تآكل في فقرات الرقبة مما يلزم عملية للعلاج.. حمدت الله أن كل ما أصابنى قد وجد الله له علاجا لأن في الدنيا من يصاب ويظل يبحث عن العلاج فلا يجد أو من يجد العلاج ولا يستطيع على ثمنه فكيف لا أشكر الله على كل ما أعطانى.. فالحمد لله إنه على كل شىء قدير.

لقد علمت وتعلمت عن يقين أننا جميعًا أغنياء ولكننا لا نقدر ما نملك لأننا ببساطة لا ننظر إلى الدنيا إلا من زاوية واحدة فقط.. ولكننا إذا نظرنا إليها من زوايا أخرى لحمدنا الله على نعمه التي لا تحصى وعلمنا أننا نملك الكثير، فنحن لا نعرف الشىء إلا بنقيضه.. فلا نقدر الصحة إلا بالمرض.. ولا نقدر ما نملكه إلا بما فقدنا.. ولا نقدر القوة إلا بالضعف.. فلابد أن نقبل الدنيا كما هي ويجب ألا نجزع لحوادث الدينا لأن حوادث الدينا ليس لها بقاء.. وهنا أتذكر بعض أبيات من الإمام الشافعى رضى الله عنه عندما قال:
دع الأيام تفعل ما تشاء ….. وطب نفسا إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي ….. فما لحوادث الدنيا بقاء
وكن رجلا على الأهوال جلدا ….. وشيمتك السماحة والوفاء
وإن كثرت عيوبك في البرايا ….. وسرك أن يكون لها غطاء
تستر بالسخاء فكل عيب ….. يغطيه كما قيل السخاء...
ولا تر للأعادي قط ذلا ….. فإن شماتة الأعدا بلاء
ولا ترج السماحة من بخيل ….. فما في النار للظمآن ماء
ورزقك ليس ينقصه التأني ….. وليس يزيد في الرزق العناء
ولا حزن يدوم ولا سرور ….. ولا بؤس عليك ولا رخاء
إذا ما كنت ذا قلب قنوع ….. فأنت ومالك الدنيا سواء
ومن نزلت بساحته المنايا ….. فلا أرض تقيه ولا سماء
وأرض الله واسعة ولكن ….. إذا نزل القضا ضاق الفضاء
دع الأيام تغدر كل حين ….. فما يغني عن الموت الدواء

فكل ما نراه اليوم من قتل ودماء هو ثمن الرخاء الذي يجب أن ندفعة للأجيال القادمة كما دفعت الأجيال السابقة دماءها لمقاومة الاحتلال وإعادة أراضينا المحتلة لنعيش حقبة من الزمان في أمن وسلام.. هذا الأمن والسلام لم يقدره الشباب الصغير الذي لم يعايش ولم يسمع لحظة من الخوف والاضطهاد أيام كان من يتكلم كان مصيره وراء الشمس..
 
ففى الدنيا نحن لا نأخذ فقط بل لابد أن ندفع.. لا أحد منا يأخذ بل لابد أن يدفع.. ولذلك كنت وما زلت أدعو بأننى لا أسأله رد القضاء ولكنى أسأله اللطف فيه.. نعم اللطف في قضاء الله والستر في الدنيا هما أثمن بكثير من ظن أنه يملك الدنيا بما فيها.

والحقيقة أننا لا نملك شيئا وإن اعتقدنا أننا نملك وأن ما نملكه سيؤول إلى من يرثنا من أبنائنا.. فهذه حماقة لأنك لا تعرف من سيرث أبناءك.. فربما كل فعلته في الدنيا كنت تفعله لشخص لا تعرفه ولا يعرفك.. كأنك تغزل ثوبًا قضيت عمرك كله تنسجه وتحلم بأنك سترتديه أو يرتديه أحد أبنائك.. ثم تأتى رياح تأخذه لتلقيه على شخص ما في مكان ما.. فلنسعد باللحظات الحاضرة ونخطط للمستقبل ونستودع الله كل شىء وهو العليم القادر الشافى الذي لا تحصى أسماؤه.. فارحمنا يا أرحم الراحمين.. وارحم مصر والشرق أجمعين ولك الله يا مصر.
الجريدة الرسمية