رئيس التحرير
عصام كامل

الصمت مش لينا


لا صوت في مصر الآن يعلو على صوت معركة الدستور المحسوم؛ فلا ثورتين تم إجهاضهما؛ ولا شهداء يأنون في قبورهم؛ ولا التفات لشعب وطأة رقابه أحذية المفسدين؛ والتفت عصابة التضليل حول عينيه؛ وشرف مدنس سيكون مصير كل من يحاول النبش في ذكريات الثورة.


فنعم لما يقره أرباب السلطة في مصر لا يكون خيارا بل ضرورة حتمية؛ فلو أردت غير ذلك فستكون موضع اتهام؛ ففى مصر مبارك لو اعترضت فأنت مجنون؛ وفى مصر الإخوان لو اعترضت فلا رب لك؛ وفى مصر الآن لو اعترضت فأنت ممول وعميل وضد الوطن.

إن أبواق السلطة وأقزامها؛ وسماسرة السياسة في كل مكان يحاولون آناء الليل وأطراف النهار التأكيد على أن هذا الشعب الذي تربى على الخرافات؛ والطواف حول الأضرحة والتبرك بقبور الأولياء؛ ورغم فقرهم والتقاء رغيف الخبز في أحلامهم؛ ولا يبغون من دينهم إلا أربع نساء؛ وأن الانتصار دائما لن يأتى إلا بطبل ومزمار؛ فكيف لهم تقرير مصائرهم بعقولهم؛ ومن وراء ظهورهم ابن الرب قد جاء لهم بشيرا ومخلصا.

ورغم علو أصوات تلك الأبواق وصراخ هؤلاء السماسرة؛ إلا أنهم تناسوا أن هذا الشعب هو من انتزع ثورتين أسقط بهما نظامين ومعهما عدة حكومات؛ تناسوا أن هذا الشعب رغم صبره إلا أنه لم يكن في مصاف المشجعين لأى نظام فاشى؛ وتناسوا أكثر أن هناك من لن ينسى أن مجلس "طنطاوى" العسكري قد التف على أهداف ثورة يناير؛ وأنهم استندوا إلى الجماعة الإرهابية والتقت أهدافهم في تهميش الحراك الجماهيرى؛ ولهم حتى وقت قريب جرائم لن تمحوها طول السنين.

على أبواق السلطة وأقزامها أن يتذكروا جيدا أن من أطاح بمبارك وقطع يده التي أحكم بقبضتها على البلاد ثلاثة عقود؛ ومن أطاح بأحلام الإخوان في التمكين؛ هو الشعب الثائر وليس جنرالات المؤسسة العسكرية؛ ولا الحكومات المرتعشة؛ التي تأتى دائما في اللحظات الأخيرة؛ فكيف نثق بهم في تنفيذ رغبات شعب ثائر.

على أبواق السلطة وأقزامها أن يتذكروا جيدا أن الدستور لم يكن سوى مطلب من مطالب الثورتين؛ ولم يكن في مقدمة المطالب التي نادت بتطهير المؤسسات التي غاص الفساد فيها وعشش في أركانها؛ وتوفير حياة آمنة كريمة؛ وكرامة لن يمسسها أحد؛ وحرية مفتوحة نوافذها؛ عليهم أن يتذكروا جيدا أن لمصر أبناء لن يحبس صوتهم؛ فالصمت لم يخلق لهم.

فأعظم الدساتير وأكثرها ديمقراطية لم تحقق أي مطالب ضرورية للجماهير؛ إن التصويت على الدستور أو الانتخابات أيا كانت لن تعطى للفقراء رغيف خبز؛ ولن تضمن حق المواطنين في شغل أي منصب.

فالضمان الوحيد لذلك هو أن تكون الثورة جذرية وشاملة؛ وأن تكون مياه الديمقراطية نابعة من مصب الحركة الثورية التحررية؛ لذلك فعلى الشعب أن يفرح كما شاء بثورتيه؛ لكن عليه كذلك أن يظل يقظا متنبها؛ فانتصاره مهدد بالسرقة؛ وثورتاه يتربص بهما مجرمو نظام المخلوع؛ ولكنه الشعب وحده القادر على القضاء مرة أخرى على أوهامهم كما قضى على أوهام إرهابيي الإخوان.
الجريدة الرسمية