رئيس التحرير
عصام كامل

خيانة الكتبة!


نشر الكاتب الفرنسى المعروف "چـوليان بندا" في الثلاثينيات كتابًا له بالغ الأهمية عنوانه "خيانة الكتبة".. وهو يفرق فيه تفرقة حاسمة بين "الكتاب" و"الكتبة".


والكّتاب في تعريفه هم المثقفون الذين يصدرون في تحليلاتهم السياسية والاجتماعية والثقافية رؤية نقدية، ويتمتعون باستقلال فكرى يجعلهم لا ينحازون لطرف دون آخر من أطراف الصراعات السياسية أو الاجتماعية، ولديهم من جانب آخر شجاعة ممارسة النقد الذاتى حين يخطئون في تقديراتهم، وهم بالإضافة إلى كل ذلك في ممارستهم النقد الاجتماعى المسئول لا يكتفون بتشخيص السلبيات، وإنما يعطونها التكييف الصحيح، وقد يتجاوزون هذا كله لتقديم البدائل للسياسات المنحرفة أو المواقف الخاطئة التي قد ينزلق إليها بعض الساسة أو المثقفين، إذا كانت هذه هي سمات "الكتاب" فمن هم "الكتبة" في رأى "چـوليان بندا"؟

هم بكل بساطة الكتاب المنحرفون الذين خانوا مبادئ النقد الاجتماعى المسئول وتحولوا لكى يكونوا كتابًا للسلطة أيًا كان اتجاهها، لكى يبررون لها قراراتها المعيبة أو سياساتها الضارة بجماهير الشعب العريضة، أو قد يتحولون ليصبحوا أبواق دعاية لأحزاب سياسية، قد تكون أحزابًا نازية أو فاشية أو إسلامية متطرفة مثل جماعة الإخوان المسلمين حاليًا، أو الجماعات الإسلامية الإرهابية سابقًا مثل جماعات "الجهاد" و"الجماعة الإسلامية".

وهؤلاء "الكتبة" لا يتورعون عن الكذب الصريح وهم يحللون مواقف الأطراف المتصارعة في المجتمع، ولا عن المراوغة الفكرية لتبرئة المنحرفين وإدانة الأبرياء.

وقد شهدنا أثناء حكم الإخوان المسلمين الكارثى عشرات من هؤلاء الكتبة "الإسلاميين" الذين رفعوا شعار "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"!

وهؤلاء أخذوا موقف الدفاع المطلق عن الرئيس المعزول "محمد مرسي" أيًا كانت القرارات الخاطئة أو المنحرفة التي انساق إليها جهلًا أو تطرفًا أو انحيازًا للجماعات الجهادية التي سبق أن أدان أعضاءها القضاء، بعد ارتكابهم أبشع الجرائم الإرهابية التي سقط فيها العشرات من الضحايا.

وليس أدل على ذلك من أن الرئيس المعزول أصدر قرارات بالعفو الرئاسى على أكثر من أربعمائة مسجون أغلبهم صدرت ضدهم أحكام في جرائم إرهابية أو جرائم مخدرات، وهذه القرارات لا سابقة لها في أي رئاسة جمهورية مصرية سابقة.

وبعض هؤلاء الذين صدرت قرارات بالعفو عنهم سارعوا لكى يلتحقوا مرة أخرى بالجماعات الجهادية الإرهابية في سيناء وارتكبوا بالفعل جرائم جديدة.

غير أن "الكتبة الإخوانيين" لم ينقدوا هذه القرارات المنحرفة بل إنهم دافعوا عنها بإطلاق.. ونفس الموقف اتخذه هؤلاء "الكتبة" إزاء الإعلان الدستورى الباطل الذي أصدره الرئيس المعزول "مرسي" والذي نسف فيه شرعيته بنفسه، فقد انبروا للدفاع عنه بدعوى أن الغرض منه هو تحقيق الاستقرار السياسي!

وفى هذا السياق فوجئنا بأن القاضى الجليل "محمود مكي" المستشار السابق بمحكمة النقض ووزير العدل في عهد "مرسي" يخالف ضميره القانونى ويقول بصريح العبارة "الإعلان الدستورى أغراضه نبيلة ولكن صياغته رديئة"!

وكأن الإعلان الذي بمقتضاه تحول "مرسي" إلى دكتاتور مطلق السراح لا يعيبه إلا صياغته! وهكذا تحول المستشار المحترم لكى يسلك مثل "الكتبة الإخوانيين".

وقد فوجئت بالفعل لأن كاتبًا كبيرًا معروفًا عنه أنه إخوانى النزعة ينزل طائعًا مختارًا من مقعده ككاتب لكى يصبح من فئة "الكتبة" الذين يخونون رسالة "الكتاب" الحقيقيين ويتخلون طواعية عن كل اعتبارات الموضوعية، ويخضعون خضوعًا أعمى لكى يدافعون دفاعًا باطلًا عن جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية.

اندفع هذا الكاتب لكى يدافع عن الجريمة البشعة والتي تتمثل في ذبح عدد من الإخوان المسلمين لسائق التاكسى الذي قيل إنه اخترق بسيارته تظاهرة إخوانية تخريبية سدت عليه الطريق بتهمة أنه صدم سيدة إخوانية قيل إنها توفيت من الصدمة، وبدلًا من إحالة الموضوع للشرطة انطلق المتظاهرون الإخوانيون تمامًا مثل مجموعة من الهمج البدائيين واعتدوا على السائق بل ذبحوه انتقامًا منه!

الكاتب الذي انضم مؤخرًا إلى سلك "الكتبة" كتب مقالًا مؤخرًا يدافع فيه عن القتلة ويدين السائق! هل هناك أبشع من تبرئة الجانى وإدانة الضحية؟
الجريدة الرسمية