رئيس التحرير
عصام كامل

أيها المواطنون احذروا "الكوفى"


من الأشياء التى تثير استفزازى أن يتخذ مسئول كبير فى الدولة قرارا خاطئا غير مدروس جيداً.. ثم يتراجع عنه بعد أن ثبت فشله أو أثار غضب من يمسهم هذا القرار.


توقفت بمحض الصدفة أمام وزارة الزراعة لكى أتحدث إلى أحد المتجمهرين أمام باب الوزارة وعن سبب هذا التجمهر.. فأجابنى أحدهم بأنه قرار الوزير بمنع دبح العجول الصغيرة (البتلو) وعرفت أن هذا التجمهر كله من الجزارين من معظم محافظات مصر.
 
وسألتهم بماذا يضر هذا القرار؟ ربما اتخذت الوزارة هذا القرار من أجل مصلحة الدولة فى زيادة إنتاج عجول التسمين وبالتالى إنخفاض أسعار اللحوم؟

فانهال على معظم الجزارين ليوضحوا لى بدون سؤالى عن هويتى وكانت إجابتهم مقنعة جداً بالنسبة لى.. وهى أن عدم دبح العجول الصغيرة سيؤدى إلى ارتفاع سعر اللبن والجبن لأن وجود العجل بجوار أمه سيمنع حملها وبالتالى ستكون غير مدرة باللبن وبالتبعية سيزداد سعر جميع منتجات الألبان بالإضافة إلى زيادة سعر اللحوم التى زادت بالفعل خلال يومين من إصدار القرار جنيهين .

غير أن المنتج نفسه سيخسر لأن العجول البتلو ليس كلها تصلح للتسمين وبالتالى فإن العجل سيأكل ولا يدر لحما بالنسبة لكمية الغذاء المأكولة.. بالإضافة الى ارتفاع سعر اللحوم المتوقع بالطبع.. والأهم من وجه نظر الجزارين أن هذا القرار سيجلب لهم الخسارة الفادحة لعدم القدرة بعد هذا القرار على توريد لحم البتلو إلى المستشفيات وغيرها التى تعتمد على اللحوم الصغيرة للمرضى.. وكان سؤالى ماذا لو منعت الحكومة ذبح الإناث وصرحت بذبح الذكور فقط؟

قالوا هذا صواب جداً جداً.. ونوافقك على ذلك لأننا نعتمد على الذكور وليس الإناث.. ولأن عدم ذبح الإناث هو المصدر الحقيقى لزيادة الثروة الحيوانية وانخفاض سعر اللحوم .

وبدأ الجزارون منع مرور السيارات أمام باب الوزارة ولكنهم انصرفوا بعد إبلاغهم بتراجع الوزير عن هذا القرار وإعطائهم فرصة لمدة ثلاثة أشهر.. ربما لدراسة القرار من جديد لا أدرى ولم أسأل أحدا من المسئولين عن وجهة نظر متخذ القرار.

وفى خضم ثورتهم قال لى أحد الجزارين: إن هناك فسادا كثيرا فى اللحوم يسبب السرطان وبدأ يقص لى ما يعرف وقال إن الكفتة والحواوشى كانا يصنعان من بقايا تنظيف اللحوم البلدى بإضافة برغل وبصل وبعض البهارات.. ثم بحث صناع الحواوشى عن طريقة أرخص واستبدلوا بقايا اللحم البلدى ببقايا اللحوم المستوردة .

ثم أتت الكارثة بعد أن اكتشفوا ((الكوفى)) وهى بقايا تنظيف الدجاج من ريش وأمعاء ورجول يأتى "الزبالين" ليأخذوها كقمامة لرميها ولكن يتم بيعها لأصحاب مصانع تقوم بفرم كل هذه المخلفات لتصبح كالماء ويكون لونه بلون دم الفراخ ويقوموا بتعبئتها فى أكياس عبوة 10 كيلو جرام .

وبالطبع كل هذا من مسببات الفشل الكلوى والسرطان ولا أدرى حقيقة لماذا لا تتكاتف كل الوزارات والمسئولين وجمعيات حماية المستهلك ووزارة الداخلية والجيش من أجل حماية المواطن من الناحية الغذائية.. وتشدد العقوبات على كل من يتهاون فى صحة المواطن وينتج أيا من مسببات السرطان.

وأتساءل أين الرقابة وأين مؤسسات الدولة؟ فكلما تعمقت وتجولت بين المواطنين أيقنت أننا فى دولة بلا مؤسسات بل نحن نعيش فى اللا دولة.. فالنبدأ بوحدة بناء الوطن وهى المواطن ونتكاتف جميعاً مسئولون ومواطنون من أجل حماية هذه الوحدة فى كل ما يحيط بها من هواء وطعام ونوم وشراب وعمل.

فلم ولن ترتقى دولتنا ولن يرتفع لها بنيان بدون وحدة بناء جيدة ومواطن تراعى الدولة كل ما يحيط به حتى يكون منتجا ومنتميا انتماء جيدا لتراب هذا الوطن.

وكلمة أخيرة أقولها للمسئولين ادرسوا جيدا قراراتكم من كل جوانبها.. وإذا كانت فى صالح المواطن ولا يقتنع المواطن بها فمسئوليتكم هى أن يرى المواطنون تجربة حية فى مصر لنجاح ما تدعون إليه حتى تعمم التجربة وتصبح من طبائع الأمور العادية اليومية.. ويأتى من بعدكم ليطور لا ليهدم ما بنيتمونه بل يطورنه حسب مستجدات العصر.. وأقترح بأن تشرك الوزارات المواطنون فى اتخاذ القرارات من خلال حوار مجتمعى يناقش فيه كل مشكلة ويستمع المسئولون عن اقتراح الحلول ويقوموا بدراستها جيداً قبل طرحها.. ولك الله يامصر فبرغم مرضك تبتسمين.
الجريدة الرسمية