رئيس التحرير
عصام كامل

حــرية الإبداع في دستور مصر

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

في القرآن الكريم "بديع السماوات والأرض"، أي خالقها على غير مثال سابق، والحرية لغة القدرة على التصرف بملء الإرادة والاختيار. 

والعلاقة بين الإبداع والحرية هي علاقة المقدمة بالنتيجة في عرف المناطقة، فالحرية شرط أساسي لوجود الإبداع إذ بينهما متلازمة الارتباط الشرطي التي ابتدعها بافلوف في نظريته في التعلم عن الارتباط الشرطي. 

والعلاقة بين الإبداع والحرية تعبر عن نفسها في التجديد المستمر لأفعال الإنسان وما التقدم الذي تشهده البشرية من العصور البدائية إلى العصر الراهن سوى محصلة منطقية لتلك الأعمال الذهنية التي يطلق عليها الإبداع. 

ومشكلة الحرية أنها تصطدم بأوضاع سلطوية مستقرة وثابتة تسعي إلى فرض السلطة الأبوية على المجتمع، وبما أن المبدع يخرج عن الخط المرسوم فلابد من خنقه والتضييق عليه. 

فالعالم لا يخلو من هذه النماذج من الصراع، ومصر من بين دول العالم التي مرت بهذه التجارب.. لذا كان من الضروري معالجة قضية حرية الإبداع دستوريًا، ليس من باب الترف الزائد عن الحاجة، ولكن من باب حاجة المجتمع إلى المبدعين الذين سينقلونه من مصاف المجتمعات المتخلفة إلى ركب التقدم الراهن بمعدلاته المتسارعة. 

وقد كان الأمل معقودًا على دستور ما بعد ثورة 25 يناير الإخواني إلا أنه جاء مخيبًا للأمال فقد نصت المادة (46) منه على أن: "حرية الإبداع بأشكاله المختلفة حق لكل مواطن وتنهض الدولة بالعلوم والفنون والآداب، وترعى المبدعين والمخترعين، وتحمي إبداعاتهم وابتكاراتهم، وتعمل على تطبيقها لمصلحة المجتمع. 

قدم نص المادة (67) كنموذج يحتذي في الشمول والإحاطة، حيث نصت على: "حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة وليست مجرد حق، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب وليس مجرد تنهض، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك، ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوي لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة. 

ولا توقع عقوبة سالبة للحرية -السجن أو الحبس أو تحديد الإقامة- في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو أو الأدبي أو الفكري.. أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في الأعراض، طبعًا تحت زعم الإبداع، فيحدد القانون عقوباتها. 

وللمحكمة في هذه الأحوال إلزام المحكوم عليه بتعويض جزائي للمضرور من الجريمة، إضافة إلى التعويضات الأصلية المستحقة له عما لحقه من أضرار منها، وذلك كله وفقًا للقانون". 

وفي المادة (69) منه يقول: "تلتزم الدولة بحماية حقوق الملكية الفكرية ـ الإبداع ـ بشتي أنواعها في كل المجالات، وتنشئ جهازًا مختصًا لرعاية تلك الحقوق وحمايتها القانونية، وينظم القانون ذلك".. ثم يعرج على البحث العلمي بالمادة (66) بقوله: "حرية البحث العلمي مكفولة، وتلتزم الدولة برعاية الباحثين والمخترعين وحماية ابتكاراتهم والعمل على تطبيقها " ثم خصص الفصل الثالث من الباب الثاني للمقومات الثقافية في المواد من (47) إلى (50). 

وبالإضافة إلى الإشارات الواردة في غير هذه المواد.. ومن هنا يمكن القول إن ثورة يونيو قد وضعت المجتمع على قضبان التقدم بمعالجتها قضية حرية الإبداع وحرية البحث العلمي إلى جانب الاهتمام الفائق بقضية التعليم باعتبارها قاطرة التقدم الحضاري.
الجريدة الرسمية