رئيس التحرير
عصام كامل

الفوضى.. واللى عايشينها


ثار المصريون مرتين على نظام مبارك الفاسد ونظام مرسي الفاشل الإرهابى الخائن من أجل الحرية، وبكل أسف ضلت الثورتان طريقهما إلى مستنقع الفوضى ظنا من الكثيرين أنها المرادف لـ "الحرية".


للعام الثالث على التوالى لا تبدو بارقة أمل في نهاية عيشة "الغابة" التي أفرزتها دولة رخوة، ضائعة الهيبة، قوانينها مجمدة لا تساوى ثمن الحبر الذي كتبت به، حتى أن المواطنين الباحثين عن دولة القانون والنظام والعدل والمساواة في هذا البلد جرفهم تيار الأغلبية ليسير الجميع في موكب الفوضى، وأصبح دهس القانون وسحقه تحت الأقدام هو عنوان كل شيء، وهكذا اختلطت الأمور بين الحرية المنشودة والفوضى التي صارت تضرب أطنابها في كل شبر من شوارع مصر.

لم يقم المصريون بثورتين لكى تكون المحصلة فزاعة من الرعب في الشوارع والبيوت، وساعات ضائعة من وقتهم وجهدهم وأعصابهم في ذهابهم وإيابهم من أعمالهم بسبب فوضى المرور والطرق المخنوقة ليل نهار، لم يعد أحد يطيق الفراغ الأمنى وبلطجة الباعة الجائلين الذين يغلقون الشوارع، لم يعد أحد يحتمل قطع الطرق وسرقة السيارات والسطو المسلح في وضح النهار، ورقعة البلد الزراعية التي تآكلت بفعل البناء المخالف، والأسلحة التي صارت في يد الصغير والكبير، بل لم يعد أحد يطيق الحديث عن المظاهرات الفئوية، ببساطة لأن الوقت لم يعد مناسبا ولأن البلد تترنح ولا مجال للضرب في الميت.

تم فرض حالة الطوارئ ولم تستفد منها الدولة سوى بتشويه صورتها في الخارج بعد 30 يونيو، وصدر قانون التظاهر وما زال "شوية" طلبة من الجماعة الإرهابية يكسرون هيبة الدولة، يحرقون ويحطمون ويدمرون الأخضر واليابس في جامعاتهم ويشلون الدراسة ويمنعون موظفيها وأساتذتها من الدخول منذ ثلاثة أشهر، بينما تقف الدولة الرخوة موقف المتفرج، إلى حد أن هناك من يجلس من السلطة معهم للتفاوض، على أي شيء.. لا أعلم ؟

لا أتحدث عن دولة بوليسية تسود فيها آلة القمع ولا أقصدها ولا أنشدها، ولكن أتحدث عن دولة يصبح فيها القانون نافذا، حتى يستطيع الناس أن ينعموا بالأمان والعدل والمساواة.

وأظن أن الداخلية هي الحاضر الغائب في مشهد الفوضى الراهن، ذلك أن جهاز الشرطة المسلح بكل أدواته القمعية إنهار يوم 28 يناير 2011 بفعل قطع الاتصالات واقتحام السجون وأقسام الشرطة بعد أن كان عنوانا لقمع الشعب وتعذيبه وإهانته والتنكيل به، وخادما في بلاط نظام مبارك ينفذ تعليماته ويحميه بكل ما يملك.

وكانت سطوة أمين شرطة في أي قسم أكبر مما يتخيل أحد، ثم جاء الإخوان بميليشياتهم المسلحة لتحل محل الشرطة وخططوا لتحجيم الجهاز الأمنى وجردوه من أسلحته حتى أنه كلما حاول الوقوف على قدميه، وجهوا له ضربات تحت الحزام، وبعد رحيلهم عن الحكم غير مأسوف عليهم يحاولون إنهاكه في مواجهات الشوارع والجامعات، والنتيجة قصور حقيقى في أداء الداخلية، وضباط وجنود بدون تسليح يتساقطون يوميا في مواجهة رصاص البلطجية والإرهابيين.

وآخرون منهم يتعرضون لإهانة المواطنين في الشارع كلما حاولوا تأدية عملهم، حتى أن عسكري المرور "الغلبان" يستجدى السيارات استجداء لتلتزم وتتوقف في الإشارة، والنتيجة أن الجهاز التنفيذى الأهم لكل استحقاقات العدالة والقانون والحرية المنشودة في مرحلة ما بعد الثورتين صار أمام أحد خيارين، إما يكون وحشيا قمعيا سلطويا مسلحا، أو أن يكون بلا تسليح ويتعرض أفراده للإهانة من المواطنين، وصدورهم مكشوفة أمام البلطجية والإرهابيين والتكفيريين.

لقد أصبح الكثيرون الآن يتعاطفون مع الداخلية، ويهتزون مع مقتل ضباطها وجنودها بعد أن كانوا يشمتون في كل خسارة تلحق بأفرادها وسياراتها ومعداتها.

بعد 3 سنوات من الثورة أقول.. بارك الله فيما رزق، فقد فاض الكيل وطهقنا في عيشتنا وصارت حياتنا عذاب ومعاناة ويجب أن نكتفى بهذا القدر لأن المسلسل انتهى و"الجيم" أوفر.. وعلي رئيس مصر القادم وبرلمانه المنتخب أن يضع حدا: إما الفوضي العارمة أو دولة القانون.
الجريدة الرسمية