رئيس التحرير
عصام كامل

مفهوم السيادة الوطنية في "الدستور"

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

السيادة ببساطة تعني أن الدولة لها الكلمة العليا على إقليمها بما فيه وما فوقه وما تحته، ولا تعرف فيما تنظم سلطة أخرى تدانيها سواء داخل الدولة أو خارجها. ونص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن: "السيادة للأمة غير قابلة للانقسام ولا يمكن التنازل عنها"، ومن هنا جاءت فكرة أن السيادة للشعب، وأنه مصدر السلطات.

قرر ميثاق الأمم المتحدة مبدأ المساواة في السيادة بين الدول بأن تكون كل دولة متساوية من حيث التمتع بالحقوق والالتزام بالواجبات مع الدول الأخرى الأعضاء في الأمم المتحدة بغض النظر عن أصلها ومساحتها وشكل حكومتها. 

ومع ذلك فإن التطورات في النظام الدولي فرضت بعض الضوابط والقيود والشروط على ممارسة الدولة لسيادتها بما قلص من مفهوم السيادة وحد من السلطات والصلاحيات السيادية للدول.. فهناك معاهدات واتفاقيات وتحالفات وقرارات دولية حتمت تكييف مبدأ السيادة بما يتوافق معها ولا يضر بمصالح الدول. 

ونظرًا لخطورة الأعمال المتعلقة بالمساس بحقوق السيادة فإنه يلزم فيها الرجوع إلى الشعب مصدر السلطات ليقررها بنفسه، باعتباره صاحب الحق في الرقابة السياسية والقضائية على تصرفات السلطة التنفيذية،، كما منح دستور 1971 م في مادته رقم ( 151 ) سلطة إبرام المعاهدات وإبلاغها لمجلس الشعب مشفوعة ببيان، فيما عدا: معاهدات الصلح والتحالف والتجارة والملاحة وجميع المعاهدات التي يترتب عليها تعديل في أراضي الدولة، أو التي تتعلق بحقوق السيادة أو التي تحمل خزانة الدولة شيئًا من النفقات غير الواردة في الموازنة فقد اشترط موافقة مجلس الشعب عليها. 

وكل التطور الذي احدثه دستور 2012 م المعطل في المادة رقم (145 ) أنه اشترط موافقة مجلسي النواب والشوري على الحالة الأولى، واشترط موافقة ثلثي المجلسين في الحالة الثانية المتعلقة بحقوق السيادة ومنها تعديل الحدود المصرية مع إضافة عبارة "ولا يجوز إقرار أي معاهدة تخالف أحكام الدستور" وهي لا معني لها لعدم وجود نصي دستوري في هذا الشأن. 

وتبدت خطورة هذا النص مع نظام الحكم الإخواني باعتباره نظام أممي لا يعترف بالوطن الجغرافي وإنما وطن العقيدة الذي لا يعرف الحدود الجغرافية للأوطان ولا يعترف بها، ومن ثم لا يوجد الرادع الوطني الذي كان مستقرًا في وجدان وضمير سابقيه من رؤساء مصر الذي كان يحول بينهم وبين التصرف في تعديل الحدود دون الرجوع للشعب. 

ومن هنا أثيرت قضية التنازل عن حلايب وشلاتين لصالح السودان، وكذا ـ التنازل عن 40% من مساحة سيناء لصالح مشروع غزة الكبري. وقد تصرف الإخوان تصرف من على رأسه بطحة حين نص دستورهم في مادته الأولى على: " دولة مستقلة ذات سيادة موحدة لا تقبل التجزئة " وكأنهم كانوا على علم بمخطط تفتيت مصر. 

وجاء دستور 2013 ليعالج هذه التشوهات الفجة فنص في المادة 151 على موافقة مجلس النواب في الحالة الأولى، ودعوة الناخبين للاستفتاء في الحالة الثانية وهي حالة معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، واشترط ألا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة. وختم نص المادة بقوله: "وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة ". 

وجعل الدفاع عن الوطن وحماية أرضه شرف وواجب مقدس ( مادة 86 ). كما جعل مصر دولة ذات سيادة لا تقبل التجزئة، ولا ينزل عن شيء منها ( مادة 1 ). وهذه الأحكام لا يجوز مخالفتها، بخلاف عدم جواز التنازل عن جزء من إقليم الدولة. وهو إجراء فيه تجفيف لمنابع التفكير في المساس بأحكام الدستور أو مساس بحقوق السيادة. ومن هنا يعد دستور 2013 م هو أول دستور مصري يعيد الحق إلى أصحابه، إلى الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة.
الجريدة الرسمية