رئيس التحرير
عصام كامل

محاكمة رئيس الجمهورية بين دستورين

فيتو

أثناء دراستي إدارة الأعمال اكتشفت مبدأ تكافؤ السلطة مع المسئولية، وهو يعني ببساطة أن كل سلطة تقابلها مسئولية متكافئة معها، والسلطة بلا مسئولية ديكتاتورية واستبداد وفساد، ومسئولية بلا سلطة وضع للعربة أمام الحصان.

وأثناء دراستي للحقوق اكتشفت أن هذا المبدأ يعد أهم مبادئ الحياة الدستورية، ثم اكتشفت على ضوء ذلك أن أزمة النظام السياسي المصري تتمثل في أن رئيس الجمهورية يتمتع بكل السلطات والصلاحيات دون أدنى مسئولية من الناحية الواقعية.

المسئولية بوجه عام حالُ أَو صفةُ مَنْ يُسْأَلُ عن أَمْرٍ تقع عليه تبعَتُه، أي: ملزَم بعواقب أعماله. ورئيس الجمهورية لا يسأل عما يفعل وفقًا للدستور إلا من زاوية أن يكون هناك اتهام لرئيس الجمهورية بالخيانة العظمي أو بارتكاب جناية، وقد اتفق دستور 2012 م مع دستور 1971 م في أن يكون ذلك بناءً على طلب مقدم من ثلث أعضاء مجلس الشعب على الأقل، بخلاف دستور 2013 م الذي اشترط أن يكون الطلب مقدمًا من الأغلبية ـ 

وقد جعل المشرع الدستوري من مجلس الشعب سلطة اتهام وذلك دون ضمانة التحقيق والدفاع المكفولة للمتهم في دستوري 1971 م و2012 م، وهذا ما أدركه دستور 2013 بتقييد صدور قرار الاتهام بالتحقيق الذي يجريه النائب العام أو من يحل محله حال وجود مانع مع رئيس الجمهورية.

ومن خلال التحقيق يتبين ثبوت التهمة من عدمه، وقد أحال دستور 1971 م تشكيل المحكمة وإجراءاتها والعقوبات المقررة إلى القانون الذي لم يصدر نتيجة ترأس مبارك حزب الأغلبية الذي هيمن من خلاله على السلطة التشريعية. 

وقد تقدم دستور 2012 خطوة عندما نص على تشكيل المحكمة، وتولي النائب العام الإدعاء أمامها، إلا أنه راوح مكانه عندما أحال الأمر إلى القانون الذي لن يصدر إلا من خلال مجلس تشريعي قوي.

والواقع أن دستور 2013 قد خطا عدة خطوات في الطريق الصحيح عندما أضاف إلى التهم التي يمكن أن توجه لرئيس الجمهورية "تهمة انتهاك أحكام الدستور"، إلى جانب الخيانة العظمي، والجنايات الأخرى، وأعطى النائب العام سلطة التحقيق، وتحريك الدعوى الجنائية بعد صدور قرار الاتهام بأغلبية الثلثين، وتولي الادعاء أمام المحكمة.

كما أنه قد خطا خطوة فائقة عندما أعطى مجلس النواب الحق في سحب الثقة من رئيس الجمهورية في المادة 161 وهي مادة مستحدثة.. ويجوز لمجلس النواب اقتراح سحب الثقة من رئيس الجمهورية، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بناءً على طلب مسبب من أغلبية الأعضاء وموافقة الثلثين، ويطرح ذلك في استفتاء عام بدعوة من رئيس الوزراء، فإذا وافقت الأغلبية يعفي رئيس الجمهورية من منصبه، وتجرى انتخابات مبكرة. 

أما إذا كانت نتيجة الاستفتاء هي الرفض عد مجلس النواب منحلًا دستوريًا، ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس نواب جديد، وهذه المادة تعد ضمانة دستورية للتخلص من رئيس الجمهورية حال عدم رضاء الشعب عن أدائه، حتى في حالة عدم انتهاكه أحكام الدستور، أو خيانته للوطن، أو ارتكابه أي جريمة جنائية. 

وبذلك يمكن أن يتحقق مبدأ تكافؤ السلطة مع المسئولية على نحو يعيد التوازن إلى النظام السياسي المصري بسلطاته الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتلك هي المقدمة الأولى لحياة ديمقراطية سليمة.. من أجل ذلك سأصوت بـ"نعم" للدستور.
الجريدة الرسمية