رئيس التحرير
عصام كامل

أزمة الرئيس محمد مرسى


الدكتور محمد مرسى يعيش أزمة كبرى وحصارًا شديدًا من الشارع المصرى بمختلف طوائفه وتياراته السياسية سواء المؤيدة له أوالمعارضة على حد سواء، لأنه الحلم والمنقذ لشعب كان يرى فيه القدرة على تحقيق أحلامه وطموحاته، ولكن لا أحد يريد إفشاله وإسقاطه كما يروج ذلك مؤيدوه ولا أحد يتمنى فشل تجربته فى الحكم، لسبب واحد أنه رئيس منتخب جاء من قلب ثورة ضد الظلم والفساد وعبر انتخابات ديمقراطية وشرعية شعبية، فسقوطه وفشله سيكون إعلان وفاة الثورة المصرية، ورسالة مهمة أن الديمقراطية لامكان لها فى دولتنا المصرية، وأن الصناديق لاتقدم الرجل المناسب فى المكان المناسب، وغيرهما من الرسائل التى ستجعل الشعب المصرى يبغض ثورته وتجعله فى حالة سخط وغضب شديد ضد ثورة لم تقدم له شيئًا سوى الانفلات الأمنى والانهيار الاقتصادى، وتفكك الدولة المصرية ودخولها نفقًا مظلمًا لانعلم كيفية الخروج منه.

ولكن السؤال المهم لماذا يشعر المواطن المصرى بأن الرئيس مرسى لم يحقق أحلامه وطموحاته، أو على الأقل لم يقدم سياسات وقرارات تدل على رئيس قوى يعبر بمصر نحو المستقبل؟ ولماذا نشعر بأن الرئيس فى أزمة ويعانى من قلة الخبرة السياسية المؤهلة لقيادة دولة مثل مصر؟ وتساؤلات كثيرة متعددة تجعلنا نشعر بأن الرئيس محاصر ويعانى أزمة كبرى.
أزمة الرئيس الحقيقية أنه جاء من تيار سياسى له قوانينه الخاصة، فالجميع يعلم جماعة الإخوان المسلمين وتكوينها وعقيدتها وتفكيرها وحلمها المعلن بتكوين الخلافة الإسلامية، وميثاقها المعلن المعروف بسيادة مبدأ السمع والطاعة داخل صفوف الجماعة، وكل هذا لايعنينا لأن المهم سياسات الرئيس، وهنا الأزمة الحقيقية للرئيس أنه لم يستطع الانفصال عن جماعته كرئيس لدولة هم فصيل سياسى بها، ولكن من الواضح أنهم يسيطرون على كل شىء، بداية من اختيارات مساعديه ومستشاريه وحكومته ووزرائه، والدليل على ذلك أن الأخبار تنتشر وتعرف من داخل الجماعة قبل مؤسسة الرئاسة، لدرجة أن البعض فى مصر بدأ يشعر بأن الرئيس ليس هو الحاكم الفعلى للبلاد وأنه مجرد مندوب لجماعة الإخوان المسلمين داخل رئاسة الجمهورية، وذلك للتدخل الواضح والصريح للجماعة فى سياسات وأداء الرئيس على أرض الواقع، لدرجة أن رجال الجماعة يطلقون تصريحات تدل على أنهم هم من يحكمون، فتصريحاتهم تترجم لقرارات رئاسية، وهذه أزمة كبرى يعيشها الرئيس وهى عدم قدرته أن يشعر المواطن المصرى بأنه الرئيس الحقيقى للبلاد، وعلاج هذه الأزمة يحتاج الكثير والكثير من الرئيس وأهمها التوازن بين كل التيارات السياسية ومن بينها جماعته، وأن يضع حدًا فاصلاً للتدخل الواضح للجماعة فى مؤسسة الرئاسة والخلط بين مكتب الإرشاد ومكتب رئيس الجمهورية.
هناك شىء غريب وغير مفهوم فى أداء الرئيس مرسى، وهو عدم قدرته على أن يكون رئيسًا لكل المصريين، وبمعنى أدق إخفاقه فى قيادة المصالحة الوطنية بين كل التيارات السياسية وأن يرسل رسالة للجميع كلنا شركاء فى بناء هذا الوطن وأن علينا جميعًا أن ننحى خلافاتنا السياسية فى الفترة الحالية حتى نعبر بمصر نحو المستقبل، ولكن ما حدث العكس ومن الممكن أن يكون الرئيس غير مسئول أو متورطًا وشريكًا فى ذلك، لتركه الحرب الدائرة بين تياره الذى يؤيده وتيار المعارضة، وهذه الحرب فى النهاية ستحرق الجميع ولن ينجو منها أحد، فمؤيدو الرئيس يتعاملون على أنهم حكام البلد وملاكها وعلى المعارضة أن توافق على ما يقدمونه، والفترة الماضية توضح ذلك، فالحزب الحاكم يفعل ما يريد ولا ينفذ تعهداته للقوى السياسية، بداية من تعهدات الرئيس فى جولة الإعادة ومرورًا باختياره حكومته ومشروع الدستور المصرى وغيرها، والمعارضة ترفض ذلك وتنزل للشارع وتتمسك بالثورة وتنادى بثورة تصحيح من أجل ذلك، وتهاجم الرئيس ونظامه والحرب دائرة بينهما بلا رحمة.
والسؤال هنا هل السلطة والحكم فى مدة بسيطة يغيران السياسات الحزبية بهذا الشكل، فجماعة الإخوان المسلمين قبيل الثورة كانت جماعة محظورة مضطهدة، وأثناء الثورة كان الجميع فى الميادين على قلب رجل واحد للتخلص من نظام مبارك، ولماذا تشعر المعارضة بأن الرئيس ومؤيديه انقلبوا عليهم ويمارسون خطة ممنهجة منظمة لتشويه المعارضة على أنها مجموعة تهدف لتخريب مصر وإحراقها؟ وهنا يجب على الرئيس أن يسعى بكل قوة لقيادة مصالحة وطنية حقيقية تنقذ مصر من نار الخلاف السياسى والتى من الممكن أن تؤدى لفترات صعبة فى تاريخ المصريين، فوطن بلا استقرار سياسى لن ينهض وينمو ويزدهر فى كل مجالات الحياة.
الرئيس مرسى يعانى من أزمة حقيقية فى اختيار رجاله ومساعديه وحكومته بشكل يؤثر على شعبيته فى الشارع بشكل قوى، وتجعل البعض يتساءل كيف يتخذ القرارات ويضع السياسات؟ وذلك ظهر بشكل واضح فى العديد من القرارات التى تظهر بشكل مفاجئ وتلغى بشكل سريع وتقديم عدد كبير من مساعديه ومستشاريه استقالاتهم اعتراضًا على تهميشهم وعدم وجود دور لهم، وأنهم مجرد ديكور سياسى لدرجة أن نائب الرئيس قال "لا علم لى بالإعلان الدستورى"، وهذا يعكس شيئًا خطيرًا هل الرئيس لا يجيد اختيار مساعديه فى المؤسسة الرئاسية والحكومة، أم أنه اختارهم كمكافأة لتيارات سياسية دعمته فى الانتخابات الرئاسية، أم ماذا؟ فهو الوحيد الذى يتحمل فشلهم لأنه الرئيس الذى سيحاسب أمام الشعب.
الحديث عن أزمات الرئيس مرسى متعددة وكثيرة ومنها إقصاؤه الشباب بكل قوة من المشهد السياسى، وعدم إشراكهم فى حكم مصر بعد عمليات التدريب والتأهيل وغيرها من المشاكل، ولكن كوطنيين مخلصين لمصر ندعوا الرئيس أن يتعلم من أخطاء المرحلة السابقة ويثبت للجميع أنه رئيس لكل المصريين، وأنه يسعى لنهضة مصر الحقيقية عبر مصالحة وطنية ومشاركة للجميع فى قيادة مصر.
dreemstars@gmail.com

الجريدة الرسمية