رئيس التحرير
عصام كامل

مشكلات خطيرة فى عملية صنع القرار!


الأحداث الفوضوية السائدة في البلاد في الفترة الأخيرة تدعونا إلى التحليل النقدى لعملية صنع القرار، سواء على مستوى جماعة الإخوان المسلمين أو على مستوى الحكومة أو أخيرًا وقد يكون أولًا على مستوى الجماعات المتنافرة التي تضم مئات شتى ممن يطلق عليهم الناشطون السياسيون.


وتبدو عملية صنع القرار لدى جماعة الإخوان المسلمين بالغة التشوش والاضطراب وانعدام الواقعية!
وذلك لأنه بعد نزول ملايين المواطنين في 30 يونيو استجابة لحركة "تمرد"، والتدخل الحاسم للقوات المسلحة في دعم الإرادة الشعبية التي صممت على إسقاط الحكم الإخوانى المستبد، كان لابد لقادة الجماعة -بعد عزل الدكتور "محمد مرسي" والقبض على أبرز قيادات الجماعة الذين وجهت لهم تهما شتى-أن يقبلوا الأمر الواقع، بالرغم من إحساسهم بمرارة الفشل السياسي للجماعة بعد مرور أكثر من ثمانين عامًا على إنشائها حلمت فيه أن تصل لقمة السلطة في مصر، حتى تشرع في تنفيذ مشروعها الوهمى والذي يتمثل في تأسيس الخلافة الإسلامية من جديد!

وفى المجتمعات السياسية الناضجة كثيرًا ما يعترف القادة السياسيون لحزب من الأحزاب أو لحركة من الحركات بفشلهم، سواء في جذب الجماهير إلى صفوفها أو في الانتخابات برلمانية كانت أو رئاسية، غير أن الاعتراف بهذا الفشل لا يعنى بالضرورة تخليهم عن الأيديولوجيات السياسية التي يتبنونها يمينية كانت أو يسارية، ولكنه يكون فرصة تاريخية للمراجعة وممارسة النقد الذاتى تصويبًا للمسار، واستعدادًا لمرحلة جديدة من النضال في سبيل تحقيق الأهداف.

غير أنه في مجتمعاتنا العربية حيث لا يمارس النقد الذاتى إلا لما نشاهد ظواهر سياسية سلبية متعددة، أبرزها على الإطلاق التشبث المرضى بالسلطة حتى باستخدام القمع وممارسة قهر الجماهير.

حدث ذلك في عديد من البلاد العربية التي ثبت فيها – بما لا يدع مجالًا للشك- الفشل الذريع لقادتها في الحكم لأسباب متعددة، أهمها على الإطلاق ممارستهم الاستبداد ومع ذلك أصروا على الاستمرار في الحكم، متوسلين في ذلك استخدام القوة والعنف مع الجماهير الرافضة لحكمهم، وقد أدى ذلك إلى قيام ثورات عنيفة ضدهم أدت إلى انهيار حكمهم الاستبدادى، كما حدث مع "مبارك" في مصر و"بن على" في تونس و"القذافى" في ليبيا.

والحكمة المستفادة من المصائر المؤلمة لهؤلاء القادة أنهم لم يستمعوا في الوقت المناسب للانتقادات التي وجهت لأساليبهم في الحكم، ولم تكن لديهم جسارة ممارسة النقد الذاتى، والتي تؤدى إلى المراجعة الجذرية لسياساتهم المنحرفة التي أدت إلى ثورة الجماهير.

غير أن ظاهرة العناد السياسي الأحمق هي التي أضرت بكل هؤلاء الحكام الطغاة -بعد انتفاضات جماهيرية واسعة المدى- إلى إسقاط أنظمتهم السياسية.

ولو كان العقل الإخوانى – إن صح التعبير- بنى على أسس سليمة لبادر قادة الإخوان بالاعتراف بأخطائهم السياسية، واعتذروا للشعب المصرى عن سلوكهم الاستئثارى بالسلطة، والذي أدى إلى عزلتهم عن باقى القوى السياسية التي عارضتهم معارضة مطلقة. ليس ذلك فقط ولكن كان ينبغى عليهم أن يقوموا بمهمة المراجعة النقدية لفكرهم المتطرف الذي أدى بهم إلى قاع الفشل السياسي المطلق.

وإذا نظرنا الآن إلى الخلل في عملية صنع القرار في حكومة "الببلاوى" لأدركنا أن رئيس الوزراء والوزراء لا يدركون أهمية التوقيت المناسب في إصدار القوانين والتشريعات، والدليل على ذلك أن الدولة والمجتمع دخلت في معركة حقيقية مع شراذم الإخوان المسلمين ومظاهراتهم التخريبية التي أرادوا منها نشر الفوضى في الشارع وترويع المواطنين وإسقاط 30 يونيو وما ترتب عليها من خارطة الطريق. وفى عز المعركة إذا بوزارة "الببلاوى" -في وقت غير مناسب- تصدر قانون تنظيم التظاهر، ما أدى إلى رفض الائتلافات الثورية والجمعيات الحقوقية له والتظاهر ضده لإسقاطه.

وقد صدر القانون الذي اعترض عليه نائب رئيس الوزراء "زياد بهاء الدين" وأعلن اعتراضه عليه علنا، ما يثير الشكوك في سلامة عملية اتخاذ القرار في مجلس الوزراء.

ونصل أخيرًا إلى القرارات الفوضوية التي يصدرها النشطاء السياسيون وائتلافاتهم الثورية المتعددة والمتنافرة، ونموذجها البارز الخروج للشارع للاحتجاج ضد قانون التظاهر.

وهكذا توحدوا -بغباء سياسي نادر- مع مظاهرات الإخوان المسلمين التي تعيث في شوارع مصر تخريبًا وترويعًا. وهكذا تبرز أزمة صنع القرار لدى كل الأطراف السياسية التي ميزت الفترة بعد 25 يناير وتصاعدت بعد 30 يونيو. مصر تحتاج إلى قرارات رشيدة تتوخى الصالح العام بدلًا من السياسات الانتهازية السائدة!
الجريدة الرسمية