رئيس التحرير
عصام كامل

الذمة المالية لرئيس الجمهورية بين دستورين

فيتو

لا يختلف أحد على أن الذمة المالية لرئيس الجمهورية كانت هي المدخل لكل فساد لحق بنظام مبارك، ومن هنا كان الحرص بعد الثورة على تضمين الدستور تحديد المعاملة المالية للسيد رئيس الجمهورية، لأن هذا التحديد يجعله محلًا للمحاسبة من الشعب الذي ارتضاه حاكمًا له.


ومع أن دستور 2012 م قد جاء بعد ثورة 25 يناير 2011 م، فكان من المأمول فيه أن يضع الضوابط الدقيقة والحاسمة في مسألة الذمة المالية للسيد رئيس الجمهورية، ونظرًا لأن الجمعية التي وضعته هي جمعية جاءت في ظروف غير مواتية، لأحلام وطموحات الشعب المصري، باعتبار أنها قد تشكلت من أعضاء من ذات توجه الرئيس، الذي جاء ليحكم مصر لخمسمائة عام قادمة، فقد كانت صياغة المادة ( 138 ) التي عالجت موضوع الذمة المالية لرئيس الجمهورية على النحو التالي: " يحدد القانون المعاملة المالية لرئيس الجمهورية؛ ولا يجوز أن يتقاضي أي مرتب أومكافأة أخرى ولا أن يزاول طوال مدة توليه المنصب، بالذات أو بالواسطة، مهنة حرة أو عملًا تجاريًا أو ماليًا أو صناعيًا، ولا أن يشتري أو يستأجر شيئًا من أموال الدولة، ولا أن يؤجرها أو يبيعها شيئًا من أمواله، ولا أن يقايضها عليه، ولا أن يبرم معها عقد التزام أو توريد أو مقاولة.

ويتعين على رئيس الجمهورية تقديم إقرار ذمة مالية، عند توليه المنصب وعند تركه وفي نهاية كل عام؛ يعرض على مجلس النواب، وإذا تلقى بالذات أو بالواسطة هدايا نقدية أو عينية بسبب المنصب أو بمناسبته تؤول ملكيتها إلى الخزانة العامة للدولة، على النحو الذي ينظمه القانون ".

والمادة هنا تحدثت عن معاملة مالية دون تحديد لماهية هذه المعاملة، وتركت ذلك للقانون الذي قد يتوسع في هذه المسألة توسعًا غير منضبط، كما أن المادة وضعت مجموعة من المحظورات التي لا يتعين على رئيس الجمهورية اقترافها، دون أن تجيب عن تساؤل غاية في الأهمية مؤداه: وماذا لو اقترفها ؟ 

أصيبت المادة بالخرس عند هذا الحد، مما يفتح الباب على مصراعيه لاقترافها دون محاسبة دستورية من أحد، وقد جرت الصياغة على اعتبار أن الدولة ما زالت تعمل وفق النظام الاشتراكي، وأنها هي دون غيرها المالكة لأدوات الإنتاج ووسائله، فحظرت على الرئيس التعامل ماليًا مع الدولة وفقط متجاهلة وجود أشخاص القانون العام، والقطاع العام وقطاع الأعمال العام، ثم جعلت مسألة إقرار الذمة المالية الذي يتعين على الرئيس تقديمه مسألة تجري بينه وبين البرلمان دون رقابة الشعب وإن كان البرلمان في النهاية يمثل الشعب، إلا أن هذا التمثيل قد يكون مزيفًا بالتزوير، أو يتواطأ البرلمان صاحب الأغلبية التي أتت بالرئيس معه، أو تتقاطع المصالح بينهما.

ومن هنا يمكن القول بارتياح إن هذه المادة لا تشبع طموحات الشعب في مراقبة الذمة المالية لرئيسه، لذا جاءت المادة 145 من دستور 2013 م لتعالج هذه الثغرات، فقد نصت على: "يحدد القانون مرتب رئيس الجمهورية، ولا يجوز له أن يتقاضي أي مرتب أو مكافأة أخرى، ولا يسري أي تعديل في المرتب أثناء مدة الرئاسة التي تقرر فيها، ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يزاول طوال مدة توليه المنصب، بالذات أو بالواسطة، مهنة حرة، أو عملًا تجاريًا، أو ماليًا، أو صناعيًا، ولا أن يشتري أو يستأجر شيئًا من أموال الدولة، أو أي من أشخاص القانون العام، أو شركات القطاع العام، أو قطاع الأعمال العام، ولا أن يؤجرها، أو يبيعها شيئًا من أمواله، ولا أن يقايضها عليه، ولا أن يبرم معها عقد التزام، أو توريد، أو مقاولة، أو غيرها".

ويقع باطلًا أي من هذه التصرفات، ويتعين على رئيس الجمهورية تقديم إقرار ذمة مالية عند توليه المنصب، وعند تركه، وفي نهاية كل عام، وينشر الإقرار في الجريدة الرسمية، ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يمنح نفسه أي أوسمة أو نياشين أو أنواط، وإذا تلقى بالذات أو بالواسطة هدية نقدية أو عينية بسبب المنصب أو بمناسبته تؤول ملكيتها إلى الخزانة العامة للدولة ". هذا هو الفرق.
الجريدة الرسمية