رئيس التحرير
عصام كامل

فوبيا المحاكمات العسكرية

فيتو

من بيننا من يعتبر إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، وهذا الفريق هو الذي يرفع شعار "لا للمحاكمات العسكرية" للمدنيين، وفي تعليل رفضه يسوق عشرة أسباب الأول يكمن في أن "العدالة" مبدأ وحق لابد أن تكفله الدولة لكل المواطنين دون تمييز والثاني أن الدستور لابد أن يُغلب حقوق المواطنين على مصلحة مؤسسات الدولة، لأن مؤسسات الدولة في الأصل دورها خدمة المواطنين وحفظ حقوقهم أما الثالث أن المحاكم العسكرية تفتقد الحياد ومنحازة للمؤسسة العسكرية.

وعن السبب الرابع دعوني أقول لكم إن المحاكم العسكرية غير مستقلة، والسبب الخامس هو أن العدالة الناجزة تضمن المحاكمة العادلة والمنصفة بجانب سرعة الفصل في القضايا وهو ما يمكن توفيره من خلال منظومة القضاء المدني، أما إذا فقدت المحاكمة صفة العدالة والتزمت فقط بـ "سرعة الفصل"، كما هو الحال في المحاكمات العسكرية، اختل مفهوم العدالة الناجزة. 

وعن السبب السادس فيتلخص في أن القضاء الطبيعي والقانون المدني قادران تمامًا على توفير السرية في إجراءات أي محاكمة. 

والسبب السابع أن القضاء الطبيعي والقانون المدني قادران تمامًا على البت في جميع الاتهامات، بما فيها مهاجمة مدنيين لمواقع أو هيئات عسكرية.

أما الثامن أن الدعم الحقيقي لـ"الأمن القومي" هو القائم على الحقوق وليس الاستبداد، والاستقرار يتحقق بحماية الحقوق وضمانها من قبل الدول والسبب التاسع أن إبعاد أي إجراءات استثنائية وأدوات ظلم، من شأنها انتهاك حقوق المصريين والمصريات، عن المؤسسة العسكرية يحميها من الإفساد ويدعمها في أداء واجبها الأساسي وهو حماية أبناء هذا الوطن. 

لكن السبب العاشر والأخير يتلخص في أنه لا يعقل أن يحاكم القائد الأعلى للقوات المسلحة السابق، المخلوع، أمام القضاء المدني وتوفر له كل ضمانات العدالة الممكنة، وعموم الشعب تسلب حقوقهم يوميا أمام المحاكم العسكرية. تلك هي أسباب رفض محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية. 

نحن هنا لسنا بصدد الدفاع عن فكرة محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية ولكننا في ذات الوقت لا يمكن أن نغفل أهمية وجود قضاء عسكري، فمنذ عرفت مصر الدساتير من بداية دستور 1923م، مرورًا بدساتير 1930 و1954 و1956 ودستور 1971 وتعديلاته، إلى دستور 2012 م المعطل، فيما عدا دستور1964 م، ولم يغفل أي منها النص على القضاء العسكري. 

وقد كان للاعتراضات التي ساقها فريق "لا للمحاكمات العسكرية" وجاهتها عندما كان يحيل النص الدستوري للقانون تحديد ما يدخل في نطاق الجرائم العسكرية على نحو كان يفضي إلى التوسع في هذه الجرائم على نحو ينتقص من حقوق وحريات المدنيين. 

أما دستور 2013 م فقد نص صراحة على عدم جواز محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، هذا هو الأصل، وقد أورد استثناءً على هذا الأصل، والاستثناء كما هو معروف يؤكد القاعدة ولا ينفيها، ومفاده محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري في الجرائم التي تمثل اعتداءً مباشرًا على المنشآت أو المعسكرات أو المناطق العسكرية أو الحدودية أو ما في حكمها أو على فرد القوات المسلحة بسبب عمله. 

إذن قيد النص الدستوري المشرع بإدخال تعديلات على قانون الأحكام العسكرية بما يتوافق وهذا التوصيف، وأعتقد أنه بذلك قد أزال ما أثير من تخوفات مفترضة، والقول بغير ذلك لا يعد مستساغًا إذ ليس من المتصور قيام المدني بارتكاب جرائم مباشرة في حق القوات المسلحة، ثم نجرجر القوات المسلحة كطرف معتدى عليه في مواجهة معتد أمام محاكم مدنية درءًا لمظنة الاعتداء على حقوقه وحرياته. 

أعتقد أن فلسفة العقوبات ليست الانتقام وإنما تحقيق الردع الخاص والعام. كذلك محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية بضمانتها الدستورية الحالية إنما هي لتحقيق الردع المنشود. أما التخوفات المفترضة نتيجة إرث الأنظمة السابقة فليست بمسوغ لاختراق الجيش والاعتداء عليه والإضرار بالأمن القومي للبلاد. وليست مسوغًا كذلك لرفض الدستور أو التصويت عليه بـ"لا".
الجريدة الرسمية