رئيس التحرير
عصام كامل

"لقطعت يدها"

فيتو

لم تعد جماعة الإخوان تكتفي بالصيد في الماء العكر، وإنما تعكر الماء بما تلقيه فيه خصيصًا كي تصطاده، وتعرض صيدها على الغير الذي تدعوه للصيد معها كي يعرض هو الآخر تلك البضاعة الرديئة على الرأي العام المحلي والعالمي، والرأي العام العالمي له ما يعرض عليه طالما لم يزاحمه عرض آخر. 

أما الرأي العام المحلي فقد أراح نفسه من عناء البحث عن الحقيقة مكتفيًا بالانجراف وراء الانطباعات الأولية التي خلفتها مشاهدة بضاعة الإخوان المعروضة على فسادها، وانساق في حالة نادرة من الاستهواء الجمعي وراء العواطف والأحاسيس المتولدة عن مشاهد زائفة تمت فبركتها لأغراض مسمومة. 

فلم يعرض أحد المظاهرة اللاسلمية التي قامت بها حركة "7 الصبح" الإخوانية وما انطوت عليه من وقائع عنف وتخريب وعدوان على الممتلكات العامة والخاصة، وحرية الآخرين وحقوقهم، وقطع الطرق وتعطيل المرور. لم يعرض أحد ذلك ولم يبين أحد للناس أن هناك فارقًا جوهريا بين التظاهر السلمي كحق دستوري وديمقراطي تكفله مواثيق حقوق الإنسان ويحميه القانون وينظمه، وبين التظاهر اللاسلمي الذي يؤثمه القانون ويرتب عليه عقوبات واجبة. 

وترجع أهمية عرض ذلك على الرأي العام سواء المحلي أو العالمي إلى أن هذا العرض يهيئ النفوس والعقول إلا أن ما يحدث من مشاهد اللاسلمية جرائم، والجرائم لا يصح السكوت عنها أو غض الطرف عمن يقترفها حماية للمجتمع، فإدراك حجم الجرم الذي تنطوي عليه الأفعال والأقوال يخلق حالة وجدانية تستقبحه وتستدعي النزوع إلى وجوب إنزال العقاب بمقترفه، وحين ينزل بالمجرم العقاب تستسيغه عقلا ووجدانًا ولا تجد غصة ظلم تنبت في الحلق مما وقع به. 

أما غياب هذا العرض اللازم وجوبيا، وتركيز الأضواء المكثفة على لحظة إنزال العقاب فسيجعل النفس البشرية تقبض على تلك اللحظة، ولن تدعها تمر حتى تجترها مرات ومرات، وتستعذب آلامها، وتخلق حالة وجدانية تدفع بالإنسان إلى استقباح العقاب واعتباره جريمة يجري ارتكابها في حق الجاني، لأنه جرى الفصل لا شعوريا بين الجريمة والعقاب في نفس المتلقي لأنه لم ير الجريمة ابتداءً، وتصبح بذلك كل الجهات القائمة على تنفيذ القانون جهات مجرمة تفتقر إلى المصداقية والثقة والأمانة في تحقيق العدالة المنشودة. على عكس الحقيقة، فجهاز الشرطة، وهذا الكلام ليس دفاعًا عنه أو عن أخطائه، مجرد جهاز منوط به تنفيذ أحكام القانون، وهو لا يملك رفاهية الامتناع عن ذلك وإلا أصبح مخلا بواجبات وظيفته واقعًا بالضرورة تحت طائلة القانون، وإن كان على هذا الجهاز من نقد يؤاخذ عليه فلا يكون إلا في كيفية تنفيذه لأحكام القانون إن كان مخالفًا لإجراءاته المحددة لا في تنفيذه لأحكام القانون ذاته. 

وفوق إجراءات هذا الجهاز يأتي دور النيابة العامة المنوط بها تحريك الدعوى العمومية فهي تجري تحقيقاتها على نحو مستقل عن جهاز الشرطة، وتفحص الأدلة المقدمة، فإن تبين لها فساد الإجراءات أو عدم كفاية الأدلة أو كيديتها تخلي سبيل المتهم، وفوق إجراءات النيابة يأتي القضاء، وللتقاضي درجات كفلها القانون كضمانة للمتهم. 

وكل هؤلاء يعملون وفقًا للقانون الذي لا يعرف أحدًا بشخصه حتى يتعمده بعقوبة، وإنما هي قواعد قانونية عامة ومجردة، فليكن العيب في القانون، وقل في القانون ما قاله مالك في الخمر إلا أنه سيبقي قانونًا واجب النفاذ لا يمكن تجاوزه أو تعطيله أو تعطيل بعض أحكامه إلا بالطعن بعدم الدستورية أو تعديله أو إلغائه بموجب تشريع آخر.

أما الدعوات التي تصدر من هنا أو هناك بضرورة الإفراج عن أعضاء حركة "7 الصبح" اللائي صدرت بحقهن أحكام بالسجن تحت أي مسمى أو ذريعة بزعم أنهن فتيات لا يتعين سجنهن فهي دعوات باطلة تناسي أصحابها قول المصطفى: "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها". 

وبدلا من ذلك تتوجه هذه الدعوات إلى فصيل الإخوان بالكف عن تعكير المياه بالزج بالنساء والأطفال لاقتراف الجرائم للمتاجرة بهم في سوق النخاسة السياسية على الصعيدين المحلي والدولي.
الجريدة الرسمية