رئيس التحرير
عصام كامل

ليس بالصندوق وحده يرحل الحكام


من الفهم الخاطئ الذى يتردد حاليا على ألسنة بعض أعضاء حزب الحرية والعدالة أن "الرئيس لا يرحل إلا بالصندوق"، وهو فهم خاطئ أو مغرض لمفهوم سيادة الشعب. ذلك أن هذا المذهب الدستورى المسلم به فى الديمقراطيات الغربية لا يمكن أن يكون له تفسيره الإخوانى الشاذ الذى ينأى به عن التفسير الدستورى الذى ندرسه بالجامعات الفرنسية وغيرها من الجامعات فى أنحاء العالم بما فى ذلك مصر.

 

١. إن سيادة الشعب لا تعنى فقط إمكانية أن الشعب يحمل شخصا إلى الحكم من خلال صندوق الانتخابات، وإنما تعنى أيضا وبذات الدرجة، إمكانية وضع حد لحكمه إذا ما كان أداؤه غير مرضٍ للشعب . أيا كانت الأسباب التى من أجلها يطلب الشعب إقالة حاكمه ووضع حد لولايته، فإن التعبير عن ذلك من خلال المظاهرات والاعتصمات الكثيرة والمكثفة والحشود الهائلة لهو خير دليل على أن الشعب الذى انتخب اليوم رئيسا انما يريد اليوم اقالته لانه ثبت بالدليل القاطع فى نظر هذا الشعب سوء الادارة و سوء الحكم ايضا. و هكذا فان سيادة الشعب تعنى احترام رأى الشعب عندما يعبر عن لفظه للرئيس أو الحاكم فيطالبه بالرحيل.

 

وهنا الأمر واضح للجميع ولا حاجة لنا للتنطع والتغابى أو التغافل. إن الرئيس يرحل فى هذه الحالة بلا صندوق ولا انتخابات. صحيح أن الانتخابات أتت به باسم سيادة الشعب ولكن باسم ذات السيادة أيضا يجب أن يرحل الحاكم إذا أظهر له شعبه بهذه الكثافة والحدة كل هذا الرفض وعدم الرضى عن وجوده فى السلطة خصوصا إذا ما بلغت درجة الرفض الشعبى له و لحزبه هذه الدرجة التى بلغها الرئيس المصرى الحالى والجماعة التى ينتمى إليها. إن الصمم عن هذا الرفض الشعبى والاستنكار الجماهيرى الحاشد لهو انتهاك لسيادة الشعب وتقويض للمبدأ الدستورى الهام.

 

٢. إن سيادة الشعب لا تعنى إذن تمكين شخص من الوصول إلى الحكم وحسب، لكنها تعنى وبذات القدر إرغامه على التخلى على الحكم ولو قبل نهاية مدته إذا ما ساء الشعب ذلك وهو ما يسمى بالثورة الشعبيه. وهو ما حدث تماما قبل عدة أشهر فقط من نهاية فترة رئاسة مبارك ولم ينتظر الشعب الأشهر القليلة الباقية له وطلب ونادى وهتف برحيل مبارك فرحل بناء على إرادة الشعب. ليس بالصندوق وحده يرحل الحكام ولكن بكل كلمة تخرج من أفواه الشعب. هذا هو المفهوم الحقيقى لسيادة الشعب.

 

٣. المشهد المصرى اليوم ما اشبهه بالبارحة، ذلك أن سيادة الشعب لا تعنى فقط تمكين الرئيس من الوصول إلى مقعد الرئاسة وإنما إجباره عن طريق الثورة على إخلاء هذا المقعد لمن يستحق ومن يجدر به. إن سيادة الشعب واحترام إرادته تعنى وببساطة أن يرحل النظام غير المرغوب فيه إذا ما أراد الشعب ذلك وعبر عن إرادته بصورة لا تقبل الشك وعلى نحو جماعى كثيف. وكم عرف تاريخ أعرق الديمقراطيات الدستورية ترجمة بالغة لسقوط حكومات ورحيل رؤساء جمهورية قبل انتهاء ولايتهم لأنهم فقدوا ثقة الشعب فيهم ولأن هذا الأخير عبر بوضوح عن فقدانه لثقته فى حكامه.

 

ديجول فى فرنسا رحل ليس لأن الشعب أجبره على الرحيل فى مظاهرات عارمة وإنما لأن الاستفتاء الذى اقترحه للتطوير الدستورى لمجلس الشيوخ لم يحظ بالأغلبية التى ينتظرها من شعبه. ووعد ديجول بالرحيل وتنحى عن السلطة دون صندوق انتخاب يعطى أخر الأغلبية. وفى ظل الجمهورية الرابعة تعاقبت ١٢ حكومة خلال ٢٤ شهرا مما يعنى أن متوسط فترة عمل الحكومة لم يتجاوز شهرين فقط وكان ذلك وليدا لعدم الرضى عن الحكومات المتلاحقة.

 

٤. إن الشعب لا يعطى شيكا على بياض فهذا انحراف فى مفهوم سيادة الشعب وإنما يراقب حكامه أثناء فترة الحكم ويستطيع إقالتهم أثناء تلك الفترة لو رفض استمرار وجودهم فى الحكم. وهذا هو المقتضى الحقيقى والفعلى لمبدأ سيادة الشعب: إنها قدرة الشعب أن يكون هو سيد قراره  وليس خدامه، إن يكون هو القاضى الأوحد فى الإبقاء على من اختاره أمس أو إجباره على الاستقاله اليوم. إنه من العبث بإرادة الشعب أن نظن أن كل تعبير للشعب عن السيادة لا قيمة له وأنه يجى فى جميع الأحوال التربص طوال فترة الولاية وكأنها كفترة العدة التى تصادر فيها حرية الشعب فى إنهاء هذه الولاية لأسباب يقدرها الشعب وحده بلا رقيب عليه غير ضميره.

الجريدة الرسمية