رئيس التحرير
عصام كامل

خيارات مصر الحائرة الخائرة


يبدو أنه مكتوب علينا أن نطرح كل عدة سنوات سؤالا.. إلى أين تتجه مصر؟ وفى كل مرة تأتى المفاجأة فوق توقعاتنا على الأقل في شكلها وحيويتها وسرعتها.. قبل سقوط مبارك بعشر سنوات تقريبا كانت التحليلات مزدهرة حول خيارات مصر ما بعد مبارك.. وفى منتدى الشرق الأوسط للحريات عقدنا في نوفمبر 2007 مؤتمرا حاشدا لنجيب عن سؤال واحد وهو "إلى أين تتجه مصر؟" وجاءت معظم التوقعات مؤيدة لأن العد التنازلى لنظام مبارك قد بدأ بالفعل، وكانت معظم الهواجس والمخاوف والتوقعات تتجه إلى أن الإسلام السياسي مستعد للقفز على السلطة عبر سيناريو الفوضى أو عبر انتخابات تحمل مظهر الديمقراطية وجوهر الاستبداد، ولكن فوجئنا يوم 25 يناير وحتى 13 فبراير بمشهد ثورى بديع يتصدره شباب تواق للحرية، ورأينا الملايين تبحث عن العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.


ففى خلفية الصورة التي أبهرت العالم كله كان يختبئ الثعبان برأسه المخيف ولسانه يلعب في كل الاتجاهات ورأسه يتحرك بسرعة مخيفة حتى انقض على الثورة ولدغها فماتت في مهدها، واتجهت مصر بعد فترة انتقالية مضطربة إلى بوادر فاشية دينية مخيفة.. وبدأ الشارع يغلى من جديد ليس فقط لأنهم خطفوا ثورته وأحلامه ولكن لأنهم رجعوا به إلى ما هو أسوأ من عهد مبارك بكثير.. في هذه الأجواء الملبدة بالغيوم والعواصف عقدنا مؤتمرا في أبريل 2013 تحدثت فيه نخبة لامعة من المفكرين المصريين عن "مستقبل الأقليات تحت حكم الإخوان"، وكانت الرؤية في هذا المؤتمر منقسمة بين أقلية ترى أن حكم الإخوان لا يمكن أن يستمر وأن مصر ستثور عليهم قريبا.. وبين أغلبية ترى أن الحكم الفاشى يتمكن من مفاصل مصر بسرعة وأن إسقاطه حلم بعيد المنال.. ولكن جاءت ثورة 30 يونيو بأكثر بكثير مما كنا نحلم به.. لقد هب الشعب المصرى في منظر مهيب وقام بعملية جراحية نظيفة وسريعة وناجحة لبتر الورم السرطانى.. ولكن ويا لخطورة كلمة ولكن، جاء العلاج الكيماوى بعد العملية مخيبا تماما لطوفان البشر الذين خرجوا في 30 يونيو و3 يوليو.. إن العلاج الكيماوى الذي يشكل ضرورة ملحة لوقف عودة المرض وتطهير العملية جاء كارثيا حتى عاد السؤال يطل علينا مرة أخرى" إلى أين تتجه مصر؟"، وفى هذه المرة نقول إن المرض قد يعود تحت بطء العلاج وخطأه في نفس الوقت أو يموت المريض من شدة المعاناة من العلاج الخاطئ.

إن الخيارات المطروحة حاليا لا يوجد بينها للأسف خيار بناء الدولة العصرية الحديثة ووضع مصر على طريق التقدم.. فهناك خيار إعادة إنتاج نظام مبارك ولكن بطريقة أشرس.. أي العودة للدولة الفاسدة المستبدة.. مع عودة كل الوجوه القبيحة التي ملأت الدنيا فسادا وصخبا ونفاقا في عهد مبارك.

وهناك خيار النظام الباكستانى حيث يتبادل العسكر والإسلاميون المواقع والمناصب والأدوار ويقتسمون السلطة والفساد، وتتم أسلمة الجيش وعسكرة الإسلاميين.. كل الذين يسعون للمصالحة مع الإخوان ويقدمون المبادرة تلو الأخرى هم في الحقيقة يهدفون إلى هذا الخيار.

وهناك خيار إطالة الفوضى من أجل إسقاط الدولة كلها، وفى الواقع فإن الإخوان يعملون بجميع الطرق من أجل هذا الخيار وفى نفس الوقت يسلطون أتباعهم من الإسلاميين للتقدم بمبادرات الخيار الثانى، وكلما زاد العنف والفوضى والإرهاب يرتفع سقف أحلامهم بمبادرة تعيد لملمة الشمل الإخوانى، ومن ثم فإن العنف الممارس من الإخوان ضد مصر كلها هو لتحسين ظروف وشروط التفاوض في حالة فشلهم في إسقاط الدولة.

وهناك خيار أن تظل مصر تلف حول نفسها في دائرة مستمرة تتقدم مصر فيها خطوة للأمام ثم ترجع خطوة للخلف لتظل محلك سر ثم تلف في مكانها حول نفسها لتظل حائرة خائرة مرتبكة.

وهناك خيار بالحسم والمواجهة الصارمة حتى يتم تطهير الجسم بالكامل من آثار المرض، ثم بعد ذلك البدء خطوة خطوة لاستعادة العافية والعودة للوضع الطبيعى الذي يمهد للانطلاق للأمام.. وهذا الخيار للأسف لا يؤمن به وينفذه سوى قلة قليلة في مواجهة أغلبية سياسية تساهم بسوء تقديرها للأمور لعودة الإخوان للمشهد بصورة أو بأخرى.
الجريدة الرسمية