رئيس التحرير
عصام كامل

أفلام الجاسوسية «صعود إلى الهاوية ».. نادية الجندي "الأسوأ".. و"خالتي بتسلم عليك" استخفاف بعقول المشاهدين

نادية الجندي في فيلم
نادية الجندي في فيلم مهمة في تل أبيب

"المصريون في إسرائيل" طعنة غادرة في قلب الوطن، فقد هربوا من مصر تحت وطأة الفقر والحرمان، ومن السهل وقوعهم فريسة سهلة في قبضة المخابرات الإسرائيلية، لكن أجهزة المخابرات المصرية تتربص كصقر يقتنص الخونة مهما حاولوا التخفي.

السينما المصرية طرحت تواجد المصريين في إسرائيل فقط في أفلام الجاسوسية، ومن تلك الأفلام التي طرحت تلك القضية - على استحياء - كان فيلم "ولاد العم" إنتاج عام 2009، بطولة كريم عبد العزيز وشريف منير ومنى زكي، وتأليف عمرو سمير عاطف، وإخراج شريف عرفة، وتدور أحداث العمل حول ضابط مخابرات إسرائيلي من أصول مصرية يعمل في مصر عدة سنوات ويتزوج وينجب في مصر، ثم يقرر العودة لإسرائيل مصطحبا زوجته المسلمة وأولاده.

وفي إسرائيل يقوم بتعريفها بعدد من المصريين من نفس ديانتها، والذين هاجروا طواعية لإسرائيل، واستطاعوا تحقيق النجاح في المجتمع الإسرائيلي المتحضر، وأعاد الفيلم تقديم الشخصية الإسرائيلية النمطية، وركّز على إبراز ملامح الشر والمكر والعنف في الشخصيات، ومن أهمّها شخصية اليهودي الذي عمل كرجل مخابرات يصل به الأمر إلى التخلي عن زوجته، ولم يتوان عن محاولة قتلها رغم أنّها أم أطفاله، والجارة اليهودية التي ينقلب حالها من امرأة طيبة إلى متآمرة تحمل السلاح في وجه جارتها المصرية الموجودة عنوة في إسرائيل، لكن في نهاية المطاف ينتصر جهاز المخابرات المصري وينقذ البطلة.

ورغم أن فيلم "ولاد العم" كان آخر الأفلام التي تم إنتاجها عن الجاسوسية فإن ظاهرة أفلام الجاسوسية بدأت في الظهور والتواجد على الساحة بعد حرب أكتوبر1973، ويحسب للسينما المصرية منذ بدايتها أنها استطاعت التفريق بين اليهودية كديانة والإسرائيلية.

ومن أوائل وأهم أفلام الجاسوسية المصرية فيلم "الصعود إلى الهاوية" إنتاج عام 1976 للمخرج كمال الشيخ، المستوحاة قصته من وقائع حقيقية، ويدور حول عميلة مصرية اسمها "عبلة كامل" يتم تجنيدها من قبل المخابرات الإسرائيلية في فترة حرب الاستنزاف لتتجسس على مصر، وتم كشفها في باريس، وتم خداعها بحيث تسافر إلى بلد عربي، ومن هناك تتسلمها المخابرات العامة المصرية لتطير بها إلى مصر؛ حيث أحيلت إلى المحاكمة وإعدامها.

يذكر أن القصة حقيقية عن الجاسوسة "هبة سليم" وهو اسمها الحقيقي، وأوقع بها رفعت جبريل الضابط في المخابرات العامة المصرية آنذاك، واللافت أن البطلة المصرية في الفيلم قدمت في العمل بشيء من السذاجة، في مقابل الشخصية الإسرائيلية الماكرة الخبيثة التي تغري البطلة بالجنس والمال والرفاهية.

أما رجال المخابرات المصرية فهم الأكثر ذكاءً وتفوقا في أغلب أعمال الجاسوسية، فاستطاعوا التغلب على عملاء الموساد، وفي الفيلم تم إدخال الأحرف العبرية على الشاشة أثناء المراسلات السرية للمرة الأولى في أحداث فيلم مصري، رسخ هذا التوجه لإنتاج أفلام الجاسوسية على غرار "إعدام ميت" عام 1985 بطولة محمود عبد العزيز وفريد شوقي وليلى علوي وبوسي، وتدور أحداثه عام 1972 حيث ألقي القبض على "منصور" مساعد الطوبي - عميل المخابرات الإسرائيلية - ويحكم عليه بالإعدام، وتستغل المخابرات المصرية الشبه الكبير بين منصور وضابط المخابرات المصري عز الدين، فينتحل عز شخصية منصور ليتولى مهمة معرفة أسرار المفاعل الذري الإسرائيلي (ديمونة).

يقوم منصور بتلقين عز الكثير عن سلوكه وشخصيته وأسلوبه، ويسافر عز إلى إسرائيل، ويكتشف أبو جودة ممثل المخابرات الإسرائيلية حقيقة عز، فينهار، فقد اجتاز عز مهمته بنجاح، وتتفق المخابرات المصرية مع المخابرات الإسرائيلية على مبادلة 3 طيارين إسرائيليين ومعهم منصور مقابل تسليمهم عز الدين، ويذهب الطوبي إلى مكان تبادل الأسرى ويقتل ابنه تطهيرا له من خيانة الوطن، وفي هذا العمل كان الأب السيناوي مثالا رائعا للشخصية المصرية الوطنية، الذي لم يؤثر فيه الاحتلال الإسرائيلي، على عكس ابنه الذي لم يجد السيناريو مبررا قويا لتخابره مع إسرائيل وانتمائه لها هو وصديقته بوسي والعديد من الشباب.

أما فيلم "48 ساعة في إسرائيل"، إنتاج عام 1998 و"مهمة في تل أبيب" لنادر جلال ومن بطولة نادية الجندي، فقد تم فيهما تسطيح مسألة الاختراق لأجهزة الأمن الإسرائيلية، وتم إظهار الجانب المصري أقدر وأقوى، وهو هكذا بالفعل، رغم ذكاء وخبث الجانب الإسرائيلي، مستخفًا بعقول كثير من المشاهدين، فجملة «خالتي بتسلم عليك» تفتح جميع الأبواب الموصدة وتحل المشاكل الأمنية كافة، كما قدمت بطلة الفيلم "نادية الجندي" على أنها المرأة الخارقة التي يقع في حبها جميع الرجال، وتتحمل كل أصناف العذاب، كل هذا يتم تقديمه في فيلم "تجاري" مبالغ فيه. 

ولا يمكن إغفال فيلم "الحب في طابا" - إنتاج عام 1992 - فهو يطرح قضية إفساد الشباب المصري في المناطق السياحية من قبل الإسرائيليين عبر ترويج الدعارة ونشر الإيدز، وذلك من خلال قصة 3 أصدقاء يسافرون إلى طابا ويقيمون علاقات جنسية مع 3 سيدات ليصابوا بالإيدز.

أيضا فيلم "فتاة من إسرائيل" بطولة فاروق الفيشاوي ومحمود ياسين ورغدة وخالد النبوي وحنان ترك وإخراج إيهاب راضي، فقد تناول قصة حب تتطور بين فتاة إسرائيلية وشاب مصري، يرفض في نهاية الفيلم كل عروض الإغراء لاستقطابه التي يقدمها والد الفتاة الذي يظهر بصورة شيطانية تسير في نفس نسق الصورة النمطية للإسرائيلي، موضحا أهمية استيعاب الشباب المصري داخل إسرائيل.

وقدم فيلم "السفارة في العمارة " - الذي قام ببطولته عادل إمام وداليا البحيري وأحمد راتب ولطفي لبيب، ومن تأليف يوسف معاطي - تجسيدا لقضية الرفض الشعبي لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، عندما يفاجأ البطل "شريف خيري" العائد إلى مصر بعد غياب 20 عامًا بأنّ جاره هو السفير الإسرائيلي الذي يحاول بكل الوسائل التواصل معه، في إشارة إلى أهمية التطبيع مع الجانب الإسرائيلي، لكن يبقى موقف "شريف خيري" معبّرًا عن نبض الجماهير رافضًا للتطبيع، ومتعاطفًا مع القضية الفلسطينية، ليهتف الجميع في أحد مشاهد العمل: "مش هنسلم مش هنبيع مش هنوافق ع التطبيع". 

فيلم الزعيم عادل إمام أظهر مدى ضعف الشخصية المصرية متجسدة في البطل، عبر انسياقه وراء غرائزه والتأكيد على أن المصريين مجبرون على السلام، بينما ظهرت بطلة العمل - اليسارية - في شخصية كارتونية، وكأن هذا الرفض الشعبي هو مجرد مظاهرات فقط لا يمكن أن يرقى إلى التنظيم. 

واللافت أنه في الفترة الأخيرة، ظهرت أفلام مصرية بعيدة عن منطق الجاسوسية، تؤكد إمكانية تواجد الشخصية اليهودية داخل نسيج المجتمع المصري بشكل طبيعي دون أي تآمر أو تجسس، ففي عام 2009 عرض فيلم "هليوبوليس" من إخراج أحمد عبد الله، قصة عجوز يهودية تسرد ذكرياتها الجميلة في مصر مقارنة بحالها اليوم؛ إذ تفضل أن يعرفها الناس كـ "خواجاية" مخفية يهوديتها أمام المجتمع.

أيضا فيلم "عن يهود مصر" حقق نجاحا كبيرا، ويتحدث عن قصص ليهود مصريين تم ترحيلهم قسرا عن مصر في فترة الخمسينيات وبداية الستينيات، وتمت معاملتهم كجواسيس وسحب الجنسية المصرية منهم، إلا أنهم رفضوا السفر لإسرائيل وظلوا بأوربا، ولأن معظم ذكرياتهم عن المصريين تنحصر في البواب والسفرجي، فهذا دليل على أنهم كانوا من الطبقة الثرية في مصر.
الجريدة الرسمية