رئيس التحرير
عصام كامل

ذكرى وفاة شارلمان.. قائد النهضة الكارولنجية فى العصور المظلمة

شارلمان قائد النهضة
شارلمان قائد النهضة الكارولنجية

وسط سحابة كثيفة من التأخر والانحطاط الحضارى فى الإمبراطورية الرومانية فى العصور الوسطى، وانتشار الجهل والاعتقاد فى الخرافات وانحطاط التفكير العلمى فيما أطلق عليه العصور المظلمة، ظهر فى الأفق حركة حضارية أواخر القرن الثامن الميلادى يتزعمها شارلمان الابن الأكبر للملك بيبن الثالث، وأعظم ملوك الأسرة الكارولنجية، حكم الإمبراطورية الرومانية بين عامى "800، 814م"، حيث توفى 28 يناير عام 814م، حاول خلال حكمه إحياء مجد الإمبراطورية الرومانية فأحدث نهضة أدبية وعلمية ودينية أطلق عليها النهضة الكارولنجية .

ورغم أن هذه النهضة كانت ضيقة الأفق واستهدفت فى الأساس خدمة رجال الدين، إلا أنه أعطى للعلم والعلماء عناية خاصة، وزود إمبراطوريته الواسعة بالمدونات القانونية، وعمل على إحياء الدراسات الأدبية، وبمساعدة العلماء الذين كانوا يتوافدون على بلاطه أسس مكتبة البلاط واهتم بجمع أعمال آباء الكنيسة والكتب القديمة، وخاصة المؤلفات اللاتينية القديمة من إيطاليا وغيرها من دول أوربا الغربية.
ناصر شارلمان الكنيسة الكاثوليكية ضد أعدائها، وكان له دور كبير فى نشر المسيحية بين العديد من الشعوب التى كانت تخضع لسلطانه، كما أجبر عددًا كبيرًا من القبائل الوثنية على اعتناق المسيحية بالقوة، كما كان يرسل أموالاً ضخمة للنصارى الكاثوليك فى بيت المقدس للحفاظ على كنائسهم، وأديرتهم.
واصل شارلمان ما بدأ فى عصر والده من دعم أمراء شمال الأندلس النصرانيين على أمراء الأندلس من بنى أمية، كما انتهز فرصة الصراع الدائر على الإمارة فى الأندلس عقب وفاة هشام بن عبد الرحمن الداخل، وسيطر على بعض الأماكن الواقعة بشمال الأندلس، حتى استسلمت له برشلونة بعد قتال عنيف مع جيوش قرطبة.
حكم شارلمان فى فترة انحطت فيها الحالة الاقتصادية فى جنوبى فرنسا وإيطاليا إلى الحضيض، بسبب سيطرة المسلمين على البحر المتوسط، فبذل شارلمان جهوداً جبارة لحماية الفلاحين الأحرار من الاسترقاق، وكانت أهم موارد الملك مزارعه الخاصة التى كانت مساحتها تتسع من حين إلى حين نتيجة المصادرة، والهبات، وعودة بعض الأراضى إلى الملك ممن يموتون بغير ورثة، وقد أصدر للعناية بهذه الأراضى قانوناً زراعياً مفصلاً  الذى يعد أعظم تفصيل يشهد بعنايته التامة فى بحث جميع موارد الدولة ومصروفاتها.
كما شجع ما بقى فى البلاد من تجارة بكل السبل؛ فبسطت الدولة حمايتها على الأسواق، ووُضع نظام دقيق للموازين والمقاييس والأثمان، وجففت المكوس، ومُنعت المضاربات على المحاصيل قبل حصادها، وأنشئت الطرق والجسور أو أصلحت.
ورغم ما أحدثه شارلمان من نهضة، وتوسيع رقعة الإمبراطورية الرومانية وتوحيدها بعد أن مُزقت، إلا أنه أصدر مجموعة من التشريعات القانونية كرست لحكم الهمجية، وأكدت على فكرة التحكم الإلهى، وما ترتب عليه من سيطرة رجال الكنيسة على الحكم، كما أقر عادات رجعية عنيفة كالعقاب ببتر الأعضاء، والمحاكمة بالاقتتال، والإعدام لمن يرتد للوثنية، أو من يأكل اللحم أثناء فترة الصوم.
الجريدة الرسمية