رئيس التحرير
عصام كامل

الملحمة


اليوم كثيرا يشبه البارحة؛ فقصور رئاسية مغلقة أبوابها؛ جهاز شرطة قاتل يتبجح بمشاركة من أسال دماءهم وفقأ أعينهم في ذكرى كفاحهم؛ وجنرالات الجيش لا يعنيهم إرادة شعب ولا ثورته؛ ولن يساعدوا بأى حال في تحقيق أهدافها؛ رغم يقينهم وإدراكهم لحجم الحركة الثورية وضخامتها واستحالة إيقافها بالقمع والإرهاب؛ وعدالة لم تستطع ثورتين إعادة الروح إليها من جديد؛ وجماهير تناضل في الشوارع لأهداف مختلفة؛ وشعارات وإن اتفقنا على مضمونها إلا أن الخلاف الدائم يدور على سياق طرحها ومزاجية من تتوجه إليه تلك الخطابات؛ وحكومة تتشبث وتقاتل لاستغلال الحراك الشعبى للحفاظ على مصالحها الخاصة؛ وقاهرة المعز تضيق بالشائعات والمناورات السياسية ومؤامرات الغرف المغلقة.


إلا أنه رغم الضجيج وحملات التشويه والصراع على السلطة والأزمات الطاحنة؛ ورغم المكائد والتدابير التي تحاك بليل لجر جميع الأطراف لخلق مجزرة جديدة يدفع بها أنقى شباب الوطن من دمائهم الطاهرة ليتمكن فصيل بعينه من القبض على زمام الأمور لبضع عقود أخرى؛ إلا أن ملحمة "محمد محمود" ستظل على جبين الدهر من أخلد لحظات الكفاح والنضال ضد استبداد السلطة الحاكمة وأجهزتها القمعية.

فهناك في جنبات هذا الشارع الضيق التقى الجميع؛ العسكر بسطوتهم؛ الداخلية بكرهها الدفين للشعب وثورته؛ تيارات الإسلام السياسي بتلونهم وخداعهم ودافعهم المستميت وانسجامهم مع النظام في ضرورة وأد أي صوت ينادى بالحق في الحياة؛ والشباب الثورى بأحلامه الرومانسية والتطلع لوطن لا تغيب عنه شمس الحرية؛ هناك خطفت رصاصات الغدر النور من العيون؛ وتحت القصف التقى عاشق معشوقته.

هناك كانت الملحمة الكبرى التي أظهرت الوجه القبيح لجهاز الشرطة؛ وهناك استخرجت الجماعة المحظورة شهادة وفاتها بعد أن تحولوا لرأس حربة مضادة للثورة وشبابها؛ واستغلها العسكر بذكاء لقمع التظاهرات؛ وما هى إلا أيام حتى كان الإخوان يحكمون الحبل حول رقابهم ويحفرون قبورهم بأيدهم؛ بعد أن حملتهم الجماهير ودماء الشهداء لصدارة المشهد عقب رحيل المخلوع.

ورغم أن ذكرى ملحمة "محمد محمود" هذا العام تأتى ومعها رائحة المؤامرة على البقية الباقية من شباب الثورة المغامرين الأنقياء؛ والمتاجرة بدماء من ضحوا بدمائهم ليحيا الوطن بعز أبنائه؛ إلا أن الذكرى أتت ومعها البرهان الساطع على أن الثورة التي بدأت نيرانها في الاشتعال في يناير؛ تؤكد أن تلك النيران لن يطفئها الله ما دامت الثورة تضل طريقها ولم ترس سفينتها بميناء الحرية.

فالسلطة والثروة لايزالان في قبضة الطبقة التي أطاحت بها الثورة من قبل؛ ومازالت أجهزة الدولة ترتع في ملذات فسادها؛ وما دامت الأزمة الثورية تناقش في أروقة المجالس والغرف المكيفة فلن تجر وراءها سوى ذيول خيبة تتبعها ثورة جديدة.

وأخيرا إلى الرفاق أقول: احذروا أن تنخدعوا بمؤامرة جديدة تسيل فيها الدماء أنهارا؛ وألا تثقوا في تحالف قوى الثورة المضادة؛ فجميعها انسجام مصالح وصراع على سلطة سياسية فقط؛ واعلموا أن الجماعة المحظورة لن تختفى من المشهد؛ فالعسكر نجح مخططهم في تجميل صورتهم القمعية إلى فرسان نبلاء؛ إلا أنهم يريدون فقط إضعاف الإخوان واستخدامهم فزاعة دائمة ضد أي قوى مضادة.

ثقوا بذاتكم فقط وعليكم بالالتحام بالشعب الثائر الذي نجح في اختطاف ثورتين؛ واعلموا أن العسكر عائدون برجل منهم؛ بعدها سيعطى بنفسه الشرعية الأكبر للجنرالات للتدخل والهيمنة والسيطرة على المسار السياسي؛ وتنازل بعد آخر سنعود مرة أخرى محاصرين بقيود العبودية.
الجريدة الرسمية