رئيس التحرير
عصام كامل

"طوبة" الإخوان "المعطوبة"

فيتو

إذا كان الوطن يعني في اللغة المكان الذي يستوطنه الإنسان ويسكن فيه فيعكس بذلك جانبًا من الارتباط والاستقرار فيه، فإن الوطنية تعني الانتماء والولاء فكرًا لهذا الموقع، والمواطنة أي المشاركة في كل ما يخدم هذا المكان الذي يعيش فيه الإنسان. ولا تناقض مطلقًا بين الوطنية والإسلام، إلا أن الشيخ حسن البنا رحمه الله يأبي إلا أن يضعنا في مواجهة الحائط حتي يردنا إلى أحضان جماعته، فيزعم في كتابه مجموعة الرسائل أن مرد إفتتان الناس بالوطنية وتمسكهم بها ودعوتهم إليها هو الاستعمار الغربي لبلادهم، ولولا هذا الاستعمار ما نبتت هذه الفكرة في بلاد المسلمين. 

وينعي على دعاة الوطنية أنهم لا يصدقون أن هذه الفكرة في الإسلام وبالتالي فإن الإسلام في جانب وهذه الفكرة في جانب آخر. وللتدليل على وجهة نظره عرض لموقف الإخوان من مفهوم الوطنية بقوله: "إن كان دعاة الوطنية يريدون بها حب هذه الأرض وألفتها والحنين إليها والانعطاف نحوها فذلك أمر مركوز في فطر النفوس من جهة، مأمور به في الإسلام من جهة أخري". "وإن كانوا يريدون أن من الواجب العمل بكل جهد في تحرير البلد من الغاصبين وتوفير استقلاله له وغرس مبادئ العزة والحرية في نفوس أبنائه، فنحن معهم في ذلك أيضًا، وقد شدد الإسلام في ذلك أبلغ التشديد ". 

وإن كانوا يريدون بالوطنية تقوية الرابطة بين أفراد القطر الواحد وإرشادهم إلى طريق استخدام هذه التقوية في مصالحهم فذلك نوافقهم فيه أيضًا، ويراه الإسلام فريضة لأزمة ". وهو يريد بذلك أن يقول بأنه مع دعاة الوطنية، وأنها لم تخرج عن كونها جزءًا من تعاليم الإسلام. وبتعبيره: "حسن ذلك وجميل، ولكن غير الحسن وغير الجميل" أنه قد جرد دعاة الوطنية من دعوتهم بمشاركته إياهم فيها، وزاد عليهم بأخذ الإسلام في جانبه، فيكون قد أصاب بذلك عصفورين بحجر واحد. الأول التفاف أتباعه حوله بلا مطعن على وطنيتهم، الثاني الطعن على دعاة الوطنية من زاوية الدين، فتفقد الوطنية المجردة أتباعها. وهو لا يفعل ذلك من باب الترف الفكري وإنما تمهيدًا لإبراز فكرته عن الوطنية وبروزتها في مواجهة دعاة الوطنية. يقول البنا: "أما وجه الخلاف بيننا وبينهم فهو أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة وهم يعتبرونها بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية ". 

أي إنه فصل ما بين الوطن الأرض والوطن العقيدة على غير مقتضي، وهذا الفصل يفرض أمورًا على الأرض، فعلي الأرض يعتبر الإخواني كل بقعة من الأرض فيها مسلم وطنا له بما يترتب على الوطنية من ممارسات عملية للحقوق والواجبات، وعليه يصبح كل المسلمين في جميع الأقطار الجغرافية لهم حقوق المواطنة سواء بسواء. ودعاة الوطنية فقط ليسوا كذلك، فقد انحصروا في رقعة جغرافية محدودة. ويتبين عطب الفكرة الإخوانية في أنها لم تأخذ في حسبانها أولئك الناس الذين يشاركوننا ذات البقعة الجغرافية وما إذا كان لهم حقوق المواطنة من عدمه. كما أنها لم تأخذ في حسبانها حقوق الدول التي بها أقليات مسلمة تجاه مواطنيها. وهل نقبل منها أن تعامل هذه الأقليات بذات المعاملة التي سنعامل بها الأقليات غير المسلمة في الدولة الإسلامية؟.

وإذا قبلنا أفلا نكون بذلك قد ظلمنا الأقليات المسلمة في حقوقها وواجباتها وضرورة شعورها بالانتماء لوطنها كما نشعر نحن بما نشارك به دعاة الوطنية فقط؟. إلى جانب ظلم الأقليات غير المسلمة. وإلي جانب هذا العطب ثمة خطر داهم يحدق بالمسلمين في أقطارهم وفقًا لهذا المفهوم ويتمثل في تحديد من هو المسلم وفقًا للمفهوم الإخواني. 

فالمسلم والمؤمن عندهم هو من يؤمن بفكرتهم دون ما عداها، وغيرهم إما متردد أو نفعي أو متحامل. وحتي المؤمن من غيرهم فإيمانه مخدر نائم لا ينزل على حكمه ولا يعمل بمقتضاه. ومن هنا تكون الخطورة لأن الوطنية عند غيرهم منقوصة، ولا يتمتعون بحقوق المواطنة، ويقدم المسلم منهم من أي بقعة على المسلم من غيرهم في موطنه.
الجريدة الرسمية