رئيس التحرير
عصام كامل

أم أشرف

فيتو

لم أجد عنوانا للمقال أبلغ من اسمك مجردًا، لقد حفرت بأظفارك تاريخًا وأنت لا تدركين، كل ما هنالك أنك شعرت بأنك جزء من هذا الوطن، رغم أنك لا تملكين من الوطن شيئًا، بل إن الوطن قد أسقطك من حساباته، وتركك في قاعه لاتملكين من حطام الدنيا شيئًا. أنا أعلم أنك لا تقربين محلًا للجزارة أو محلًا للفاكهة، وتشترين بالكاد أنواع الخضروات رخيصة الثمن وضيعة الجودة لتدفعين بها غائلة الجوع. اعتصرتني ألمًا قولتك عن آخر مرة أكلت فيها لحمًا، كيلوجرام دفعه إليك أحد المضحين في عيد الضحية ليقطع عليك حرمانك الطويل من هذا الصنف من الطعام، كيف اقتسمتموه بينكم يا أمي ؟. 

هالني ذهولك من ثمن الكيلوجرام من البطاطس الذي بلغ ستة جنيهات وهي الوجبة الشعبية التي يعتمد عليها الفقراء. لقد سرقوها منك كي يصنعوها ويتربحوا من وراء تجارتها الربح الوفير. مثلها في ذلك مثل باقي الخضروات التي دخلت حيز التصنيع السريع والرخيص في آن، لأن الخامات موجودة تحت أقدام المستثمرين،،، فبدلًا من الدخول في مجال الصناعات الإستراتيجية والثقيلة والصناعات الوسيطة يجري الدخول في الصناعات الغذائية التي تسرق القوت اليومي لساكني قاع المجتمع. 

أولئك الناس الذين سقطوا من حسابات الناس عمدًا أو سهوًا. لقد كشفت يا امي ــ وانت لا تدركين ــ سوءة المجتمع المصري، مجتمع النخبة والثروة الذي داس بعنف محطمًا عنقك دون أن يشعر أو يحس حتي ولو أدرك وجودك. أعلم أن هناك من ينظر إليك شذرًا وتأففًا وقد اعتلت ملامحه آيات التطير والقرف، هم لا يدركون يا أمي، أن كلابهم تشاطركم الهياكل العظمية للدجاج، وكذا الأجنحة والأرجل التي تعد وجبة ترفيهية لك ولأبنائك. ولو أدركوا لنازعوك عليها بالسلاح. 

الثورة بالنسبة لهم ترف وتزجية لأوقات الفراغ، ورغبة في إزاحة طابع الرتابة والملل الذين يعتريان حياة المترفين، ونوع من الوجاهة الاجتماعية التي تدفع للترقي والصعود فيما بينهم، وانتصارًا لأيديولوجية في مواجهة أخري. أما أنت يا أمي فقد استلفت جنيهان من جارتك لمجرد احساسك بأن الوطن الذي أسقطك من حساباته في حاجة إليك. 

وضعت جوعك تحت شبشبك انتصارًا للوطن. جاءت أضواء الكاميرات إليك بعد أن جذبتها بساطة ملبسك وكرمشة ملامحك العجوز، فإذا بأحد الموتورين يزاحمك المشهد رافعًا أمام الكاميرات علامة رابعة، وعند محاولتك الدفاع عن حقك في عدم المزاحمة. آه يا أمي، صفعك على خدك فنزلت صفعته على وجهي. إخواني موتور تربي تربية عكسية في مدرسة البنا، فبدلًا من تتميم مكارم الأخلاق هب لهدمها وتقويضها في النفوس. هي هي نفس التربية العكسية، أو التربية في الاتجاه المعاكس التي تدفع أصحاب هذا الاتجاه إلى تشويه كل فعل نبيل يصدر عن غيرهم، فنبلهم مصطنع ومغرض، ويظنون غيرهم مثلهم، أما نبلك ـ يأمي ـ فنبل ذاتي يصدر عنك بعفوية تضيق بها صدور المغرضين. لقد رأيت فرحتك الطفولية ـ وأنت السيدة العجوز ـ
الجريدة الرسمية